أروقة الكونغرس تجري جدلا حول السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأميركي منذ ولوجه البيت الأبيض والتي قوّضت علاقات واشنطن مع حلفائها وأصدقائها في العالم.
 
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب الجنود الأميركيين من سوريا، بكل ما يحمله من تداعيات، غضب المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين وحيّر حلفاء الولايات المتحدة. ورصد مراقبون في العاصمة الأميركية أعراض تمرد من مؤسسات “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة ضد بعض السياسات التي ينتهجها الرئيس الأميركي في الملفات الخارجية.
 
ويبعث التنسيق العالي واللافت، وربما غير المسبوق، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مسألة فرض عقوبات من داخل الكونغرس على تركيا، برسالة غضب جماعية، من قبل المشهد السياسي الأميركي برمته، ضد خيارات الرئيس في هذا الملف، والتي قد تنسحب على خياراته الأخرى في السياسة الخارجية.
 
ويتصادف أن الكونغرس في حالة عطلة حاليا. وسيعود إلى مزاولة نشاطه في الأسبوع المقبل. ويعمل الحزبان، وبأغلبية ساحقة قد تتجاوز فيتو ترامب، على تمرير عقوبات قاسية على تركيا بسبب حملتها العسكرية شمال سوريا، قد تطال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه وعددا من الشخصيات الرئيسية في منظومة الحكم في أنقرة.
 
وعلى الرغم من قيام الرئيس الأميركي بتصويب موقفه القاضي بسحب القوات الأميركية من أمام الحملة العسكرية التركية، وتهديده أنقرة بتدمير اقتصاد تركيا، مذكرا بأنه سبق أن فعل ذلك في التدابير التي اتخذها للإفراج عن القسّ أندرو جونسون من السجون التركية، إلا أن غضب الطبقة السياسية الأميركية جاء ليلاقي الغضب الشامل لدى الدول الغربية، من كندا إلى استراليا مرورا بالاتحاد الأوروبي، والذي بدا أنه يعبر عن إدانة جماعية لقرار ترامب.
 
ويجري جدل داخل أروقة الكونغرس حول السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأميركي منذ ولوجه البيت الأبيض، والتي قوّضت علاقات واشنطن مع حلفائها وأصدقائها في العالم. فيما تذهب بعض الأصوات إلى الهمس بأن سياسات ترامب تعمل لصالح السياسة الروسية في العالم وتمددها في الشرق الأوسط.
 
وأجمعت أوساط في الكونغرس على أن الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي لا يمكن فهمه، مهما تدافعت الاجتهادات، إلا بصفته ضوءا أخضر ورعاية للتدخل العسكري التركي ضد الأكراد، حلفاء الولايات المتحدة المخلصين في سوريا.
 
جرى جدل داخلي حول أن الحدث الحالي يمثّل كارثة للحلف الغربي وللحلف الأطلسي طالما أن سياسة ترامب وخياراته المتسرعة، وربما العفوية، تسببت في تصادم صديقين للولايات المتحدة، تركيا من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى. ودعت بعض الجهات في الكونغرس إلى التروي والحكمة في فرض العقوبات الأميركية على تركيا والنظر إلى تداعياتها على دولة عضو في حلف الناتو.
 
مورفي يحذر من شرخ تاريخي قد يحصل داخل الحلف الأطلسي 
مورفي يحذر من شرخ تاريخي قد يحصل داخل الحلف الأطلسي 
وإذا ما كان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، يتصدر الحملة المعارضة لتركيا ووعد بـ”جعل أردوغان يدفع الثمن”، وإذا ما كان الديمقراطيون يتفقون مع الجمهوريين على العمل معا على معاقبة تركيا وزعيمها، فإن البعض منهم يدعون إلى عدم التهور وأخذ المصالح الأميركية الخارجية بعين الاعتبار، والتمعن في تضارب الصلاحيات في هذا الصدد بين الكونغرس والبيت الأبيض.
 
ويحذر عضو مجلس الشيوخ الأميركي الديمقراطي، السيناتور كريس مورفي، من شرخ تاريخي قد يحصل داخل الحلف الأطلسي جراء فرض عقوبات أميركية على تركيا، وهي من أعرق أعضاء الحلف الغربي منذ إنشائه. ويعتبر أن أي تصدع داخل هذا الحلف سيكون هدية مجانية لروسيا، وسيعزز من قوة موسكو وسلوكها وتهورها المهدد للمصالح الأميركية الدولية وللاستقرار في العالم.
 
ويقذف السيناتور الديمقراطي الكرة إلى ملعب الحزب الجمهوري، معتبرا أن الكونغرس لا يملك الكثير من الأوراق للتأثير على مجريات الأحداث شمال سوريا، وأن أمرا كهذا منوط بالرئيس ترامب ومن صلاحياته، خصوصا لما يملكه أيضا مع علاقات مع الرئيس التركي.
 
ويرى مورفي أن الحزب الجمهوري، الذي يدعم ترامب ويدافع عنه في قضية التحقيق المتعلقة بـ”فضحية أوكرانيا” واحتمالات طلب عزله، يملك من الأوراق ما من شأنه الضغط عليه. فيما يرى مراقبون أن على الجمهوريين، بهذه المناسبة، وضع كل ثقلهم للضغط على الرئيس لتعديل نهجه الخارجي الذي تسبب في تصدّع علاقات واشنطن بحلفائها في العالم.
 
ويطرح مورفي مسألة أخرى تتعلق بقدرة البيت الأبيض على الالتفاف على القرارات الصادرة عن الكونغرس أو التملص من تنفيذها، وبالتالي فإن توصل الكونغرس، وحتى من خلال هذا الإجماع، إلى فرض إجراءات عقابية على تركيا قد لا تجد صدى في البيت، بحيث يتم إغفالها وإهمالها والتهرب من تنفيذها كما حصل في استحقاقات سابقة.
 
وكان الكونغرس الأميركي قد صوّت، إثر التدخل الروسي في أوكرانيا، على قانون يفرض عقوبات على الدول التي تستورد أسلحة من موسكو. وكان من المقترض، وفق هذا القانون، أن يطبق ضد تركيا بعد شرائها منظومة أس 400 الروسية. إلا أن ترامب ماطل في أمر ذلك، حتى أنه في الاتصال الهاتفي مع نظيره التركي، الأحد الماضي، ناقش سبل حل هذه المشكلة، مستبعدا فرض عقوبات الكونغرس على أنقرة.
 
وكان ترامب دعا، في خضم الجدل الذي أثاره قراره وما تردد من تهديد بفرض عقوبات على تركيا، أردوغان إلى زيارة البيت الأبيض. ويرى محللون أن ترامب يود، من خلال الزيارة التي يقوم بها أردوغان إلى واشنطن، التوصل إلى تسوية تقنع الداخل الأميركي بصواب خياراته في تجنب الصدام مع أنقرة.
 
ولم يستبعد هؤلاء تقديم الرئيس التركي ما يرضي نظيره الأميركي وهو في بداية حملته الانتخابية ردا على جميل موقفه في مسألة الحملة العسكرية التركية في سوريا، والتي يحتاجها أردوغان أيضا من أجل دواعي داخلية بعد التدهور في شعبيته وشعبية حزبه وفق ما كشفت الانتخابات المحلية الأخيرة.
 
وتؤكد بعض المصادر الدبلوماسية في الولايات المتحدة أن اتصالات تجري بين قيادات أميركية وأوروبية بغية العمل على إعداد تصور يضغط على ترامب للمواءمة بين مقتضيات حملته الأميركية التي تستمر في رفع شعار “أميركا أولا”، ومقتضيات الحاجة إلى تصليب جبهة الحلفاء في العالم، والتي لم يفرق ترامب، منذ تبوئه سدة الرئاسة في بلاده، بينها وبين الخصوم مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية.