من يتابع تطورات السباق الانتخابي في لبنان عموما وفي دائرة بعلبك-الهرمل يجد ان طريقة تعامل “حزب الله” مع هذا الاستحقاق تتميز بنسبة عالية من التوتر لم تعرفها المنطقة منذ عقود.وهناك تبريرات شتى لهذا السلوك من مؤيدي الحزب كما ان هناك تفسيرات شتى من خصومه .لكن القاسم المشترك بين التبريرات والتفسيرات هو ان نتائج الانتخابات التي ستصدر في أيار المقبل تعني الحزب كثيرا بما يتجاوز المألوف.

على الضفة المؤيدة,تقول أوساط مواكبة ان الجهد الذي يبذله الحزب ينطلق من مبدأ هو الفوز بكامل المقاعد الشيعية ال27 في كل لبنان مع السعي للفوز بأكبر عدد متاح من المقاعد المخصصة لسائر الطوائف والمذاهب.وفيما تبدو المعطيات مؤاتية لبلوغ هذا الهدف في معظم لبنان بما فيه فوز مرشح الحزب في جبيل,بحسب اوساط حليفة ل”حزب الله”, تصطدم هذه المعطيات فقط بالاجواء السائدة في البقاع الشمالي ما جعل الامين العام السيد حسن نصرالله يطل أكثر من مرة على الوقائع الميدانية هناك.وفي هذا السياق,وبالاضافة لما اوردته “النهار” قبل ايام حول زيارة شخصية قام بها نصرالله للمنطقة ,تفيد المعلومات ان الامين العام أمضى ثلاثة أيام متتالية هناك لإدارة عمليات التحضير ليوم الاقتراع.وقد لخّص نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم المكلف رسميا بملف بعلبك- الهرمل مستوى الاهتمام بهذا الاستحقاق قائلا:”أن حزب الله مهتم جدًا بالانتخابات النيابية لأنها أهم انتخابات مرت علينا خلال الأعوام السابقة في لبنان والسبب في ذلك أن حجم التحديات أكبر من أي وقت مضى …نحن مهتمون بهذه الإنتخابات والاهتمام على إظهار حجم تأييدنا الشعبي لأن تأييدنا الشعبي كلما برز بشكل أكبر يئس الأعداء منا وحققنا انتصارات، وعلينا إظهار هذه القوة ليراها العالم وليرتدع العدو، وإذا ارتدع العدو نستطيع أن ننطلق إلى البناء في الداخل بشكل أفضل”.

يحرص “حزب الله” على إضفاء بعد خارجي لمعاركه الانتخابية عموما وفي بعلبك-الهرمل خصوصا.وفي هذا الاطار,”رمى” الحزب على زيارة القائم بأعمال السفارةالسعودية الوزيرالمفوض وليدالبخاري والسفيرالإماراتي حمدالشامسي لمدينة بعلبك يوم الجمعة الماضي “شبهة ” التدخل في الانتخابات النيابية في دائرة بعلبك-الهرمل.فقالت قناة “المنار” التلفزيونية التابعة له :”أيّ زيارة هي في الزمن الانتخابي؟ وهل فشل وكلاؤهما فقررا خوض المعركة مباشرة ضاربين بعرض الحائط كل الاعتبارات السيادية اللبنانية ولو شكلياً؟ ثم اين الجهات الرسمية المعنية بالعملية الانتخابية واين السياديون اللبنانييون بل السياديون الانتخابيون؟”

تجدر الاشارة الى ان زيارة الديبلوماسيين السعودي والاماراتي لبعلبك أتت تلبية لدعوة مفتي بعلبك- الهرمل الشيخ خالد صلح الى أداء صلاة الجمعة في الجامع الأموي الكبير في بعلبك. ويعتبر الجامع الأموي من المساجد التاريخية في المدينة، كان بناه الوليد بن عبد الملك في العهد الأموي ورممه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2000. ويقع المسجد على بعض مئات الامتار من مزار ديني بناه الايرانيون حديثا ويحمل أسم مقام “الست خولة”.

على ضفة من لا يجاري “حزب الله” توجهاته الانتخابية في البقاع عموما ولاسيما في المعقل الشيعي هناك,يقول متابعون ان طريقة إدارة الحزب للمعركة تفيد أن “الحرس الثوري الايراني هو من يتولى القيادة وليس مسؤولي الحزب الذين يتواصلون مع الناس”.ودليلهم هؤلاء على ذلك ان كل الملاحظات التي قدمها المواطنون التي سبقت إعلان الحزب لائحته الانتخابية لم يتم الاخذ بها إطلاقا. وتروي شخصية سياسية شيعية بارزة ل”النهار” انها تواصلت في وقت مبكر مع الشيخ قاسم الملكف بمتابعة ملف بعلبك-الهرمل لتقديم إقتراحات تتعلق بتشكيل اللائحة فكان جواب الاخير “الموضوع عندي” واضعا يده اليمنى على صدره للتأكيد على ما قاله.لكن اللائحة ابصرت النور ولم تظهر فيها أي آثار لما إقترحته هذه الشخصية.وأعتبرت الاخيرة ان القرارات يجري إتخاذها عند المرجعية الايرانية ويتولى الطرف المحلي تنفيذها من دون أي إبطاء.

ويتداول بقاعيون نماذج من حوار يدور حاليا بين مندوبي الحزب وبين الجمهور المعترض على لائحته.وفي بعض هذا الحوار إتهام من الحزب لكل من لا يقترع لمصلحة لائحته بأنه “يريد نزع سلاح المقاومة!”

الاعتداء الذي تعرّض له قبل ايام السائق الخاص لسيارة الشيخ عباس الجوهري لا يمكن فصله عن أجواء التوتر السائدة في هذه الدائرة الانتخابية.وقد ألمح الجوهري الى قرب المشتبه فيهما بتنفيذ الاعتداء ب”شباب حزب الله”. علما ان الجوهري نفسه قد تمّ توقيفه مؤخراً في الأمن العام “تحت ذريعة أنّ رقم هاتفه كان على هاتف أحد تجار المخدرات” وفق ما ذكره موقع “جنوبية” الالكتروني.وإذا كان هناك من تفسير مقنع لكل هذا التوتر الانتخابي لاسيما الخشونة التي يمارسها “حزب الله” أحيانا فهو على جريّ المثل”بحكيلك يا جارة تتسمعي يا كنّة”.”الكنّة” هنا هي بالتأكيد كل من يريد ان يقف في الوسط الشيعي ,ضد الحزب.