العراقيون قبل غيرهم يعرفون حقيقية عادل عبدالمهدي وحجم قدراته وصلاحياته، ومُوقنون بأنه غير مخوّل بالسفر إلى أي عاصمة عربية، خصوصا إلى العاصمة السعودية، إلا مرسلا من إيران إلى خصومها.
 

من عجائب هذا الزمان المبتهج بأدوات الحروب الفضائية وطائراته المسلحة التي تدار بالريموت كونترول وصواريخه المسيّرة بالأقمار الصناعية، أن تنشغل الحكومات والشعوب من أميركا إلى أوروبا والصين والهند وروسيا بإيران، وهو ما لم يحدث مثلُه من قبل، في أي زمان أو مكان.

والأكثر غرابة أن هذا الانشغال العالمي بإيران ليس بتقدّمها العلمي ولا الثقافي ولا العمراني، بل بوحشيتها وهمجيتها وعدوانيتها وطيش حكامها المجانين، وباعتداءاتها وتحدياتها وتهديداتها التي لا تكفّ عن إطلاقها لا ضد دول عربية صغيرة، بل ضد أقوى وأكبر دول العصر الحديث، وبمعدل يومي لا ينقطع.

تُرى، ما السر الذي يجعل دولا كبرى لم تتوقف إيران عن إهانتها وإرهابها لا تقتلع نظامها الشرير في أيام، وهي قادرة، بل تلجأ إلى مجاملتها، وإلى محاورتها بالتي أحسن، ومحاولة استمالتها والسعي المضني من أجل إعادتها إلى العقلانية والوسطية، وإلى حياة الدول المتجانسة المسالمة المتصالحة، رغم أن كل رؤساء تلك الدول ووزرائها وخبرائها العسكريين والسياسيين، معا، يعلمون بأنهم ينفخون في قربة مثقوبة؟

فلا اليوم ولا غدا ولا بعد مئة عام يُحتمل أن يستفيقوا ذات صباح ليجدوا المرشد الإيراني علي خامنئي قد نزع عمامته وارتدى قبعة، وزيّن رقبته القصيرة بربطة عنق أوروبية زاهية، وأصبح رجل سياسة وكياسة وعدل وسلام وعقل وإنسانية، مُعلنا ندمه على ما أذاقه لفقراء شعبه في إيران، وإخوته في الطائفة والدين والمصلحة في دول جيرانه العرب والمنطقة والعالم.

وهنا نأتي إلى مربط الفرس في هذه المقالة. فعادل عبدالمهدي، وهو الجالس على كرسي عبدالمحسن السعدون، ونوري السعيد، ومحمد فاضل الجمالي، وعبدالرحمن البزاز، يحطّ ضيفا على الملوك السعوديين. ومن حق المواطن العراقي المأزوم أن يتساءل عن هذا الزائر وعن هذه الزيارة.

فهناك أمران ساخنان يشغلان خواطر الملوك السعوديين ومواطنيهم، ولكن لا يصدّقُ أحدٌ منهم عادل عبدالمهدي حين يتحدث عنهما وفيهما.

الأول براءة إيران من الاعتداء الأخير على أرامكو، ومن قائمة طويلة جدا من المؤامرات والتخريبات والتفجيرات والاعتداءات والاغتيالات القديمة ضد المملكة العربية السعودية، خصوصا، وضد العرب الرافضين لسياساتها التسلطية الشريرة، وعن تهديداتها المستمرة بالإقدام على المزيد منها، لا لأن أكثرية دول العالم حمَّلت النظام الإيراني مسؤولية الجرائم القديمة والجديدة تلك، بل لأن أكبر أقطاب النظام نفسه هم الذين يباهون بأن “الطائرات والصواريخ جاءت إلى السعودية من الشمال”، ويؤكدون تصميمهم على أن المزيد منها سوف يأتي دون ريب.

والثاني تعهده للسعوديين بـ”أن العراق معهم”، وأن “أمن العراق من أمن السعودية”، وتصريحه بأن “حكومته لن تقبل بأي عدوانٍ على أمنهم، ومصالحهم”، وذلك لأن أي عدوان قادم على أمنهم ومصالحهم، لن يكون إلا خارجا من تحت عمامة الولي الفقيه، ومن تدبير حرسه الثوري أو وكلائه العراقيين واليمنيين.

والقاصي والداني، وحتى المستجد في السياسة، يعلم علم اليقين، بأن العراق ليس هو العراق الذي كان، بل هو عراق الحشد الشعبي الذي يؤكد الإيرانيون أنه حشدهم.

وفي الساعة التي كان فيها عادل عبدالمهدي في القصر الملكي في الرياض خرج واحدٌ من القادة الحشديين ليتحداه، معلنا أن العراق سيحارب إلى جانب إيران ضد أعدائها وخصومها، شاءت حكومة بغداد أم لم تشأ.

وأعلن رجل الدين الإيراني آية الله أحمد علم الهدى، إمام الجمعة في مدينة مشهد، وعضو في مجمع الخبراء المكلّف باختيار المرشد الأعلى والإشراف على عمله وحتى إقالته، أن “إيران اليوم ليست فقط إيران، ولا تُحدّ بحدودها الجغرافية. فالحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، وقوات الدفاع الوطني في سوريا، والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، كلها إيران”.

وقال بوضوح وبالقلم العريض مخاطبا السعوديين “إن الهجوم الذي استهدف منشآت النفط التابعة لكم جاءتكم من الشمال”.

ثم أعقبه القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح معرض صيد النسور في متحف الدفاع المقدس بطهران، معلنا أن “على أعدائنا أن يدركوا أننا لم نُظهر بعدُ القدرات الأساسية لقواتنا. لقد أظهرنا جزءًا صغيرا منها”. و”من يريد أن تكون أراضيه ساحة حرب فنحن مستعدون لها. لن نسمح مطلقا بجرّ الحرب إلى أراضينا، وسنواصل حتى النهاية، لأن الهجوم المحدود لن يكون محدودا، ولن نستكين حتى هزيمة المعتدي، ولن نُبقي أي نقطة آمنة”.

إذن، بأي وجه وبأي لسان وأي لغة تحدث عادل عبدالمهدي في الرياض؟

إن العراقيين قبل غيرهم يعرفون حقيقية عادل عبدالمهدي وحجم قدراته وصلاحياته، ومُوقنون بأنه غير مخوّل بالسفر إلى أيّ عاصمة عربية خصوصا إلى العاصمة السعودية، إلا مرسلا من إيران إلى خصومها.

أما قضية العراق وأمنه ومصالحه ومستقبله وعلاقاته فلا يحقّ لأحدٍ أن يتحدث عنها ويسعى لحمايتها والدفاع عنها إلا للزعيم العراقي الوطني الشهم الشجاع.

ورئيس وزرائنا اليوم ليس هو ذاك. فالذي تحدّد له إيران حارس غرفة نومه وماسح حذائه وطباخ فطوره ليس بزعيم.

ترى، أما كان الأجدر به والأكثر سَترا لعورات عهده غير السعيد أن يلزم داره وأن يتوقّف عن السفر، وعن الكلام؟