الطائرات ذاتية القيادة تشكل تحديات فريدة تميزها عن التهديدات التقليدية المحمولة جوا، مثل الصواريخ أو الطائرات الحربية.
 
في مختبر بالقرب من المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل، قدمت شركة “إسرائيل آيروسبيس إنداستريز” عرضا لنظامها الجديد للكشف البصري: مكعب أسود يشبه مضخم صوت مضغوط يقول إنه يمكنه رصد طائرة ذاتية القيادة تجارية قياسية على بعد عدة أميال (كيلومترات).
 
بمكن لهذا النظام الذي يحمل اسم “بوبستار” تتبع وتحديد الأجسام الطائرة ليلا أو نهارا دون أن يتم اكتشافها. ويقول المطورون إن النظام، الذي تم اختباره ميدانيا بالفعل من قبل الجيش الإسرائيلي، يمكنه تمييز التهديدات من الطائرات المدنية العادية باستخدام خوارزمية متقدمة.
 
يعطي هذا العرض دفعة أمل لسوق السلاح التي تزدحم فيها طلبات الحصول على مضادات للطائرات المسيرة خاصة من منطقة الشرق الأوسط التي تشهد سباق تسلح ومضادات بعد أن ازدحمت سماؤه بطائرات مسيرة استهدفت قواعد استراتيجية فيه.
 
الكثير من المعرفة
يعد نظام “بوبستار” واحدا من بين عدة أنظمة تعمل إسرائيل، ودول أخرى، على تطويرها ضمن مشاريع صناعة مضادات مخصصة للطائرات المسيرة، باعتبار أن أنظمة الدفاع التقليدية غير قادرة على مواجهة واعتراض هذه الأسلحة الصغيرة التي تهاجم بسرعات أبطأ على ارتفاعات أقل.
 
وطورت مجموعة من الشركات الإسرائيلية أنظمة دفاعية تقول إنها تستطيع اكتشاف أو تدمير الطائرات القادمة. وقال بن ناسي، الباحث في جامعة بن غوريون الإسرائيلية المتخصصة في الطائرات ذاتية القيادة “هناك الكثير من المعرفة التي تم اكتسابها في مجال المركبات الجوية ذاتية القيادة، وهو أمر كان على الجيش التعامل معه لفترة طويلة”.
 
وقال آرييل غوميز، مهندس النظم في الشركة والذي عمل على منصة الكشف الجديدة للطائرات ذاتية القيادة “نرى يوميا هذه التهديدات الصغيرة، مثل الطائرات ذاتية القيادة التي يمكنها إغلاق الحركة الجوية في مطار بأكمله. يمكن لنظامنا تمييز أي تهديد على بعد عدة كيلومترات”.
 
ويركز نظام “بوبستار” على حماية الأهداف الثابتة ذات القيمة العالية مثل المطارات أو البنية التحتية للطاقة. ويقول الخبراء إنه من الصعب استخدام التكنولوجيا المضادة للطائرات المسيرة في البيئات الحضرية المزدحمة، حيث يمكن أن تؤدي الحركة الجوية الكثيفة والمباني الشاهقة إلى إحداث تشويش وعقبات.
 
وتشكل الطائرات ذاتية القيادة تحديات فريدة تميزها عن التهديدات التقليدية المحمولة جوا، مثل الصواريخ أو الطائرات الحربية. حيث يمكن لهذا النوع من الطائرات أن يطير دون أنظمة الرادار العسكرية القياسية واستخدام تقنية التتبع “جي.بي.أس” لتنفيذ هجمات دقيقة على أهداف حساسة مقابل سعرها الذي يعادل جزءا بسيطا من سعر طائرة مقاتلة.
 
وقال أولريك فرانكي، الباحث في العلوم السياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إن محاربة هذه الأنظمة أمر صعب حقا. ليس فقط لأنك بحاجة إلى اكتشافها، ولكن عليك أيضا اكتشافها في كل مكان وفي كل وقت”.
 
وقال بن ناسي “معظم الصناعة تستهدف في الواقع التهديدات في منطقة حظر الطيران. عندما يتعلق الأمر بالمناطق المأهولة بالسكان، فإن تطبيق القانون يواجه المزيد من الصعوبات لفهم ما إذا كان يتم استخدام طائرة ذاتية القيادة بشكل صحيح أم لا”.
 
فعالية مدمرة
يمكن نشر هذه الطائرات الصغيرة في أسراب. ويمكن أن تخدع أو تهرب من أنظمة الدفاع التقليدية. ويمكن تحويل حتى الطائرات الصغيرة ذاتية القيادة إلى أسلحة عن طريق تزويدها بالمتفجرات أو ببساطة تفجيرها في المناطق المزدحمة.
 
وأكدت سلسلة من الضربات بطائرات ذاتية القيادة حدثت في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الهجوم على حقل نفط سعودي ومصنع معالجة الذي هز الأسواق الدولية في وقت سابق من هذا الشهر، على الفعالية المدمرة للطائرات الهجومية الصغيرة ذاتية القيادة.
 
وأدى هجوم الطائرات ذاتية القيادة على البنية التحتية لحقل النفط السعودي إلى تدمير حوالي نصف إمدادات النفط في المملكة. وأعلن المتمردون الحوثيون اليمنيون عن مسؤولية ارتكابهم لهذا الهجوم، لكن الولايات المتحدة ألقت باللوم على إيران نفسها، وهي إحدى الدول الرائدة في تطوير تكنولوجيا الطائرات ذاتية القيادة وتخوض منافسة مع كل من السعودية وإسرائيل.
 
وتسببت هجمات مماثلة بطائرات ذاتية القيادة شنها الحوثيون قبل شهر واحد على صناعة النفط في السعودية في إحداث حريق محدود. وفي أماكن أخرى من المنطقة، ضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية الشهر الماضي ما وصفته إسرائيل بأنه أفراد من جماعة حزب الله المدربين من إيران، والذين كانوا يستعدون لإطلاق مجموعة من الطائرات ذاتية القيادة باتجاه إسرائيل من سوريا.
 
وبعد ذلك بيوم قالت جماعة حزب الله إن طائرتين إسرائيليتين تحطمتا خارج مكاتب الجماعة في بيروت. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن غارة الطائرات ذاتية القيادة دمرت معدات قيمة تستخدم لصنع صواريخ موجهة.
 
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال الجيش الإسرائيلي إن طائرة ذاتية القيادة عبرت إسرائيل من قطاع غزة وألقت متفجرات على مركبة عسكرية، مما تسبب في أضرار طفيفة ودون وقوع إصابات. ولا يتم حصر هذه التهديدات في ساحة المعركة فقط. حيث تم إغلاق مطار غاتويك بلندن لمدة ثلاثة أيام، وتقطعت السبل كنتيجة لذلك بأكثر من 100 ألف مسافر قبل عيد الميلاد العام الماضي، بعد اشتباههم برؤية طائرات ذاتية القيادة.
 
وفي تقرير نشرته فرانس 24 في سنة 2018، حذر خبراء من مغبة استغلال الطائرات دون طيار الصغيرة، التي تباع في الأسواق لهواة هذا النوع من الألعاب وبأسعار في متناول الجميع، من قبل تنظيمات مسلحة أو متطرفة قد تستهدف مناطق حيوية في دولة ما أو ضد شخصية سياسية أو معارضة، أو حتى تنفيذ هجمات إرهابية واسعة النطاق.
 
وتحدث في التقرير البروفيسور في جامعة كاليفورنيا الخبير في الذكاء الاصطناعي ستيوارث راسل الذي رسم مستقبلا قاتما لدور الطائرات المسيّرة، معتبرا أن دمج التكنولوجيا والصناعات الحربية قد يؤدي إلى إنتاج أسلحة فتاكة وغير مسبوقة مثل الدرون بحجم العصافير الصغيرة، قادرة على شن هجوم مسلح غير قابل للصد أو الردع تماما.
 
رغم هذه التحذيرات، تنتعش سوق الطائرات المسيرة بشكل كبير، ويتجه المصنعون باستمرار إلى إنتاج طائرات مسيّرة أصغر وأخف مع توظيف تكنولوجيا متقدمة جدا لمواجهة المنافسة من ناحية، ولتفادي الوقوع تحت طائلة القوانين من ناحية أخرى خصوصا في ما يتعلق بالوزن وضوابط الملاحة الجوية وحيازة رخصة امتلاك السلاح.
 
ويشير أمين زرواطي، الصحافي في فرانس 24، إلى أن هذا التوجه يزيد من تعقيد مهام رصد هذه “الطيور المعدنية” وتعقبها واستهدافها، ما يضعنا أمام معضلات لا تنتهي من ناحية القوانين المنظمة لملاحتها، أو من جهة التخطيط لاستراتيجية أمنية دفاعية مضادة قادرة على منع وردع أي محاولة لشن هجوم مسلح بواسطة طائرات مسيرة.
 
مضادات في الطريق
أعلنت شركة فوربال الإسرائيلية أنها وجدت حلا بشكل جزئي لتحديات رصد واستهداف الطائرات المسيرة وذلك من خلال تطوير نظام يمكنه اكتشاف وتتبع جميع الطائرات ذاتية القيادة التجارية تقريبا في الأجواء الحضرية. وقال أفنير ترنانسكي، نائب رئيس الاستراتيجية في الشركة، إن الشركة قامت بتجميع قاعدة بيانات للإشارات المنبعثة من 95 بالمئة من الطائرات المسيرة في السوق.
 
وباستخدام هذه الإشارات، يُمكن رصد الطائرة ذاتية القيادة وتحديد موقع مشغلها في غضون ثانيتين. ويمكن للعملاء تتبع هذه الطائرات وتحديد ما إذا كانت تشكل تهديدا أم لا. وقال أيضا إن النظام يمتد لعدة كيلومترات، ولكن لا يزال الأمر محدودا. إذا أرسل المشغل طائرة ذاتية القيادة لم يتم جمع إشاراتها من قبل، فلن يتم رصدها أو تحديدها. وسيصارع النظام أيضًا لتحديد الطائرات المتطورة ذاتية القيادة التي بنتها حكومات معادية، نظرا لأن هذه الإشارات تكون غير معروفة على الأرجح.
 
مع ذلك، قال ترنانسكي إن النظام يمكنه تتبع “الغالبية العظمى” من الطائرات ذاتية القيادة الشهيرة في السوق. وقال كذلك إن الشركة أجرت العديد من الاختبارات الناجحة مع إدارة شرطة نيويورك واعتبرت قوة الشرطة الوطنية الإسرائيلية ووزارة الدفاع عملاء.
 
وخلال مسابقة الأغنية الأوروبية هذا العام في تل أبيب، قال إن الشرطة ألقت القبض على أكثر من 20 مشغلا كانوا يحلقون بطائرات ذاتية القيادة في مناطق حظر الطيران. ووفقا لوزارة الاقتصاد الإسرائيلية، بلغت صادرات الطائرات دون طيار 4.6 مليارات دولار بين عامي 2005 و2013، أي حوالي 10بالمئة من صادرات مجال الدفاع الإسرائيلية.
 
وقدمت أكثر من عشر شركات إسرائيلية أحدث التقنيات المضادة للطائرات ذاتية القيادة في معرض “دي.أس.إي.آي” بلندن، بدءا من الشركات ذات الثقل الدفاعي مثل “إلبيت سيستمز” و”رافييل” و”إسرائيل آيروسبيس إنداستريز”، وحتى الشركات الناشئة الأصغر مثل “فوربال”. وتعتبر هذه الشركات جزءا من صناعة عالمية مزدهرة مع منافسين من الولايات المتحدة وأوروبا وسنغافورة والصين. وتندرج أنظمة الدفاع المضادة للطائرات ذاتية القيادة في عدة فئات. حيث تعتمد أنظمة الكشف عادة على التكنولوجيا اللاسلكية أو البصرية لتحديد مواقع هذه الطائرات.
 
ويمكن للأنظمة الأخرى أن توقف الطائرة عن طريق التشويش الذي يسقط الطائرات عن طريق خلط الاتصالات، أو الأنظمة الحركية التي تحاول إخراج الطائرة من السماء أو الأنظمة التي تسمح للسلطات بالسيطرة على الطائرة. لكن في الوقت الحالي، لا يمكن لأي من هذه الأنظمة توفير الحماية الكاملة. وأكد على ذلك ترنانسكي بقوله “إنها مشكلة. سنستمر في لعب لعبة القط والفأر لفترة من الوقت”.