حبذا لو ان الامين العام يتعلم من اخطائه و من اخطاء الماضي و ليدرك ان في الازمنة الغابرة رجل استخف قومه فاطاعوه و لكن ما لبثوا بضع سنوات الا و استفاقوا
 
خطاب الامين العام للحزب الاصفر بالامس اختلف عن غيره من الخطابات التي اعتاد اللبنانيون سماعها و هي عبارة عن ديباجة ينتهجها رئيس الحزب في كل خطاباته تتجلى بالتهديد و الوعيد لعدوه ويحتفظ بحق الرد كلما تعرض لهجمة، او تكون ردة الهجمة على سيارات فارغة او تكمن في اسقاط مسيرة من المسيرات التي ترسلها اسرائيل يوميا، و يصنع منها انتصارات وهمية على مدى اشهر على شاشتين اثينن الميادين التابعة لايران و المنار التابعة للحزب ولكن اللافت هذه المرة هو الكلمة عينها و التي بدءا من الشعار الذي اختاره نصر الله لهذا العام وهو "انبقى بعدك".
 
استطاع نصر الله بطريقة غير مباشرة طيلة ايام عاشوراء محاولة القول ان الشعار يقصد منه الامام الحسين عليه السلام ، الا انه لم يستطع الا ان يفصح و يفضح الشعار الذي و ضعه و اختاره بنفسه، وهو المقصود منه عن حتمية بقائه بعد "خامنئي" الداعم الاول له و لحزبه. و لعل الصراخ هذه المرة ان دل على شيئ فانه يدل على ان ما يجري بحق حزب الله من ضرر و عقوبات هو مئة في المئة حقيقي و كلامه عن أنه غير آبه بورقة الارهاب هو كلام زائف . 
من الذي لا شكّ فيه أن نصرالله بدى هذه المرة مختلف كل الاختلاف عن سابقه ، فهو استغل عاشوراء التي تجمع الناس على حب الحسين و ليس على حبه او حب خامنئي، لكي يقول ان الشيعة معه و انه بحاجة الى ايران متناسيا بان ايران باتت في وضع يرثى له بعد تصفير النفط فيها على مدى اكثر من شهرين جراء العقوبات الاميركية التي فرضها ترامب عليها بعدما ظهر جليا امام المجتمع الدولي ان هذه الدولة باتت من الدول التي صنفت بدعمها للارهاب اي انها تدعم مقاومة تحولت بفعل السيطرة و القوة الى حزب انتهج بعض الافعال التي تندرج تحت اطار المنظمات الارهابية. 
 
وإن الولاء الذي قدمه السيد الى الجمهورية الايرانية يذكرنا بما قاله في الثمانينيات عن نيته قبل تسلمه الامانة العامة للحزب في جعل لبنان تحت الراية الخمينية بشخص " نائبه بالحق الامام الخامنئي " على حد تعبيره . آنذاك لم تكن هذه الكلمات تؤخذ بشكل جدي وهو ان نصرالله منذ الاساس عمل مع ايران ضمن شرط واحد و هو تنفيذ مخطط يقضي بوضع لبنان و مدنه و قراه تبعية تحت سياسة الجمهورية الايرانية ضاربا عرض الحائط السيادة اللبنانية بكل معانيها.
 
ان نصر الله استغل العاشر من محرم ليصدر قانون جديداً على عادته فبعد معادلة الثالوث الذهبي "الجيش الشعب و المقاومة" يزيد نصرالله عنصرا جديدا و يفرضه على لبنان وهو قرار يظهر مبرما من الولي الفقيه نفسه يتمثل باقحام الشيعة ( و لبنان ) في بدعة جديدة وهي القتال تحت راية السيد الخامنئي " حسين هذا العصر" متناسيا المرجعيات الباقية و مفضلا اياه عنهم فهو فعلا لا يرى غيره اماما و نصيرا ، الا ان السبب الحقيقي يكمن في تلك الاوراق الخضراء التي كانت تأتيه بحقائب ديبلوماسية عبر سوريا و التي ان وصلت الى انسان سوي لحولته الى مجنون فكيف اذا توقفت و انقطعت؟ وكيف اذا كانت هذه الاوراق تأتي الى حزب لتدعمه منذ 1980 حتى اليوم و توقفت بشكل مفاجئ. 
 
لقد صرح نصرالله بانه مستعد لأن يقاتل تحت قيادة و راية خامنئي مسميا اياه "حسين العصر" علما ان معايير الامام الحسين عليه السلام ، لا تتطابق أبدا مع الخامنئي فبمقارنة بسيطة للثراء يظهر جليا ان الامام الحسين كان من الفقراء المظلومين عبر التاريخ و لم يكن يوما ثريا يكدس مليارات الدولارات ولا صاحب سلطة على عكس "حسين عصر نصرالله" ، الا ان في ذلك الوقت و بحسب التاريخ يقال بان "يزيد" هو من كان يمتلك السلطة و بيده الملك كله. فهنا و بتحليل منطقي بسيط يمكن لاي عاقل يحسن التفريق بين المعاير سيميز حتما الحسين من يزيد .
 
ان الطريقة التي يتعامل فيها الامين العام للحزب هي طريقة غوغائية لا تتناسق و لا تتناسب مع بروتوكولات الحياة السياسية في اي بلد ديمقراطي و حتى في ايران الديمقراطية ، و كأن سماحة السيد يعيش على جزيرة لوحده و لا يرى بأن هناك كثير من الللبنانيون المؤيدون قبل الخصوم يعارضونه فيما يقوله.
 
حقا صاحب الوعد الصادق وعد يوما ان يكون عنصر من عناصر الولي الفقيه ، و طبعا وعد و صدق، و هو يقولها اليوم و بهذا يؤكد على ان الحزب رهن إشارة السيد خامنئي في ايران 
متناسيا ان خامنئي غير مقبول من بعض الاطراف اللبنانية وحتى عند الشيعة كمرجعية دينية ، ان حسين العصر جلس مع الرجل الذي اخفى الامام موسى الصدر و كل هذا الكلام في ظل صمت لبناني مريب وخصوصا لانصار الامام اعاده الله بالخير الينا.
 
لقد رفض نصرالله أي مشروع حرب على الجمهورية الإيرانية لأن هذه الحرب ستشعل المنطقة وتدمر دولا وشعوبا وستكون حربا على كل محور المقاومة وتهدف الى اسقاط آخر الآمال المعقودة على استعادة فلسطين، و هل "تفنيصة " فلسطين لا تزال حية" ؟
 
وهنا اعيدكم قليلا الى الوراء ، و تحديدا الى ما حصل في السنة الماضية ، فالسيد نصرالله نفسه الذي يعد دوما بتحرير فلسطين لم يحرك ساكنا عندما اعلن ترامب تاييده بوضع القدس عاصمة لاسرائيل في فلسطين، بل خطابه كان خطابا خفيف النبرة في حينها ، و طلب من الناس المشاركة في كتابة مقالات و وبث الاراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي و لم يحرك ساكنا وقتها ظنا منه ان الناس تنسى كذاكرة السمك. 
 
نصرالله و بفعل "بعده" عن الناس وخصوصا بعد تبلور تقنية الشاشة، صار يفكر بأن البروباغاندا التي يصنعها اعلامه باشارة منه تؤدي دورها بادلجة عقول الناس وهو يؤمن بها الا انه و بالفعل و خصوصا لدى الافراد الشيعة الموالين قبل المعارضين كشفت للكثيرين ضعفا كان يحمله و لا يصرح به.و لعل الواضح في هذه الايام ان نصرالله سعيد بالحديث عن المعارك و الحروب و هي محاولة منه لصرف النظر عن الفساد المستشري بين مسؤوليه في الحزب الذين حولوا مفهوم المقاومة الى مقاولة يتاجرون بالمال العام في الدولة اللبنانية و حتى في مال ميزانيات الحزب من دون حسيب و لا رقيب. 
 
"إن هذا المعسكر الذي يقف على رأسه سماحة الامام القائد الخامنئي" على حد تعبير نصر الله برأيي لن يأتي الا بالويلات على اهل ارضنا ، و تلك الانتصارات التي يتشدق بها بعض جهابذة الاعلام الممانع هي لا تثمن من جوع لان الحقيقة واضحة لا لبس فيها ، حبذا لو ان الامين العام يتعلم من اخطائه و من اخطاء الماضي و ليدرك ان في الازمنة الغابرة رجل استخف قومه فاطاعوه و لكن ما لبثوا بضع سنوات الا و استفاقوا ، فحذاري ان نصل الى يوم نرى تلك اوهام الانتصارات تتحول علينا ويلات و ويلات.