زيف المقاومة بلغ من الاهتراء ما يكفي لكي يتحول إلى لعبة تلفزيونية يمارسها حزب الله ليقنع نفسه بأنه قادر على حماية نفسه، وأنه واقف بالمرصاد على حافة تصريح يطلقه حسن نصرالله.
 

لم يبق لحزب الله في لبنان سبيل لإيصال الرسائل المناسبة لإسرائيل إلا واتبعه. فمن التسريبات إلى التصريحات المعلنة، تكررت الرسالة نفسها، لتقول “نحن، وإن كنا نريد أن نقوم بردّ على هجمات الطائرات المسيرة الإسرائيلية، إلا أننا لا نريد حربا. وكل ما نسعى إليه هو إثبات الوجود، لا إلحاق الأذى”.

ولفرط التكرار، وشدة وضوحه، فقد بدا وكأن حزب الله يقول: دخيلك يا إسرائيل، خلينا نضرب حتى ولو برميل قمامة في “ما قبل قبل حيفا” (وليس بعد، بعد) وكل شيء سيكون تمامْ. لأننا لا نريد حربا.

الإسرائيليون تلقوا الرسالة، وعاملوها بتفهم شديد. إذ لا دبابات تحركت، ولا تم استدعاء قوات، وبدا كل شيء هادئا على جبهات القتال، بانتظار اختيار برميل القمامة الذي سيقصفه حزب الله. وحالما تصل الإحداثيات المطلوبة، عبر الوسائل المناسبة، فإن الضربة سوف تتم، فلا تنشب حرب، ويكون كل طرف قد حقق غايته: إسرائيل أثبتت أن لها اليد الطولى، وحزب الله أثبت أنه موجود. وكان كل شيء على ما يرام.

هذه المخاطبات تكاد تقول شيئا واحدا، هو أن زيف “المقاومة” بلغ من الاهتراء ما يكفي لكي يتحول إلى لعبة تلفزيونية يمارسها حزب الله ليقنع نفسه بأنه قادر على حماية نفسه، وأنه واقف بالمرصاد على حافة تصريح يطلقه حسن نصرالله، ليمارس فيه عنتريات لا عنتر فيها إلا شروح وتوسلات ما بعد بعد التهديد بالرد.

بنيامين نتنياهو نفسه لا يريد حربا أيضا. فهو يقف على حافة انتخابات. وأراد، بدوره أن يمارس لعبته التلفزيونية التي يحسن بحسن نصرالله أن يتفهمها ويتعامل معها بهدوء. قال له: اهدأ، فجاءه الرد بسيطا ومباشرا: لا نريد حربا.

هل هناك “عدوّان” أكثر من هذين قدرة على التفاهم؟

في محيط الهراء التلفزيوني هذا، يدفع لبنان الثمن. فاقتصاده الذي يقف على شفير الهاوية، وقمامته التي لم تستطع كل الطبقة السياسية أن ترفعها، و”حرتقات” التنازع والتصالح بين هذا وذاك، أفقدت لبنان القدرة على النجاة.

هذا البلد الذي كان بمثابة سويسرا المنطقة انتهى إلى مأساة، منذ أن خرجت المقاومة من محتواها الوطني، لتتلبس المحتوى الإيراني بصعود وهيمنة حزب الله.

أسأل نفسي، كما يجدر بكل إنسان أن يسأل: هل تركت إيران مكانا لم تحوله إلى خراب؟