الرئيس ميشال عون وجَّـه رسالة الى مجلس النواب يطلب فيها تفسيراً للمادة «95» من الدستور... وتفسير الدستور الذي أناطَهُ إتفاق الطائف بالمجلس الدستوري، إنقلبَ عليه المجلس النيابي وجيَّـرَهُ إلى نفسه باعتباره سيدَ نفسه.

 

ولو أنَّ المجلس النيابي سيِّدٌ... وسيِّدُ نفسه، لكان أحسنَ تفسير المادة «95» من الدستور في أعقاب اتفاق الطائف، وبادَرَ إلى «تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية تمهيداً لارتقاءِ لبنان التدريجي نحو دولة مدنية ديمقراطية جامعة، ولَـما كنّا نتخبّط اليوم في مهبّ دولةٍ تيوقراطية فاسدة وفاسقة، ولَـما استمرَّتْ عندنا السماء ساحةَ حربٍ على الأرض، كلٌّ يجعل من نبِّـيهِ فيها فارساً مقنَّـعاً يحارب بـهِ الآخر.

منذ حينٍ قريب، حملتُ الى فخامة الرئيس «ورقةَ عملٍ حواريةٍ لتحقيق الدولة المدنية إنطلاقاً من المادة «95» من الدستور...».

وسرَّني أنْ سمعتُ من الرئيس عَـزْماً على تنفيذ جميع البنود التي تـمَّ الإتفاق عليها في الطائف، مثلما قرأتُ عن لسان وزير الدولة لشؤون الرئاسة الأستاذ سليم جريصاتي: «أنّ طموح الرئيس ميشال عون الوصول الى دولة علمانية...».

في ظـلِّ ما آلت إليه حال البلاد من فواجع قاتلـة، كنتيجة حتمية للمَذْهبَيةِ المحمومة التي طبعَتْ سلطةَ الدولةِ وإداراتِها، وشوَّهتْ الممارسة السياسية في سلوكٍ مهووسٍ يشدّه جنونٌ مذهبي في الداخل، وجنوحٌ مذهبي من الداخل الى الخارج.

فقد أصبحت المداواة بالداء مغامرةً بحجم المستحيل، فإن لم يكنْ خلاصٌ بدولة مدنية تُـقْفلُ سوق التجارة بالدين، فإنَّ الصراع الذي يزداد سعيراً قد يؤدي الى مواجهات تنزلق معها المذاهب من الدين الإيماني الى الدين التكفيري.. وصولاً الى أحد خيارين: إما دولة مدنية تُلغي الصراع الطائفي، وإمَّا صراعٌ طائفيٌ يُلغي الدولة.

إذا كان هناك مسلمون يعتبرون أن الدولة المدنية تتعارض والشريعة، نرَطّب معلوماتهم بالقول : إنّ أول من نادى بالدولة المدنية هم المتنوّرون المسلمون وفي طليعتهم عبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده، والإمامان موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين، يقول الإمام الصدر: «إنَّ لبنان دولةٌ علمانية لأنها ليست منبثقة من حكم الله وحكم السماء ، والقانون اللبناني علماني لأنه ليس نابعاً من القرآن ولا من الإنجيل» (1).

وكثيرون همُ المفكرون المسلمون الذين أشاروا الى:
ــ «أنّ القرآن لم ينـصّ على دولة إسلامية ولا على خلافـة، بل ترك الأمـر شورى بين المسلمين ليختاروا النظام الذي يرتـأون (2).
ــ «والإسلام ديـنٌ علماني لا يشترط أن يعيش المسلم في كنف دولة يحكمها المسلمون...» (3).
ــ «وأنَّ الإسلام لا ينسجم فقط مع العلمانية، بل هو دين علماني» (4).
ــ «والقرآن هو الوحيد الذي يتضمن تلك العبارة البالغة الوضوح بالعلمانية، لا إكراه في الدين» (5).

وإذا كان هناك مسيحيون يعتبرون أن النظام الطائفي يشكل ضمانة وجودية لهم مراهنين عبَـثاً على ما يسمّى الديمقراطية التوافقية، فإنَّ الضمانة المستقبلية الثابتة هي الإنخراط المجتمعي المتآلف في إطار وحدة عضوية، لا في إطار تقوقع مذهبي حصري، في مواجهة تقوقع مذهبي آخر أكثر قدرة وأقوى تفوَّقاً.

وعلى الصعيد الروحي فإن المرجعيات المسيحية الدينية كان لها غير موقف على ألسنة البطاركة كمثل ما أطلق سينودس أسقفي دعـوةً حاسمةً إلى «العلمنة التي تعني تحرير المعتقد من ثقل السياسة وإغناء السياسة بإسهامات المعتقد» (6).

والجدير ذكرُه أيضاً تلك الرسالة التي وجهها النائب كمال جنبلاط الى الرئيس سليمان فرنجية يوم كان رئيساً للجمهورية وقد جاء فيها: «لو كنتَ كرئيس للجمهورية فرضتَ العلمنة على اللبنانيين جميعاً لكانت خَطَتْ البلاد من عصر التخّلف الى عصر التقدم ودولة الشعب» (7).

فخامة الرئيس عون: ليت أولى البشائر لخلاص لبنان تأتي على يديك؟

والسلام.