الكل سلّم بضرورة إنقاذ الحكومة، إلا وليد جنبلاط. رئيس الاشتراكي رأى أن القضية ليست انعقاد مجلس الوزراء من عدمه، بل بسعي «رئيس الجمهورية ومن خلفه» إلى الانتقام. ولذلك، كان طرحه: إما ضمانات بعدم استغلال جريمة قبر شمون لاستهدافه سياسياً، أو التعطيل «حتى يوم الدين»

 

بشّر رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، بأن «الخبر السار لم يعد بعيداً»، معبّراً عن تفاؤله «أكثر من قبل»، بحل الأزمة التي تعرقل انعقاد مجلس الوزراء منذ أكثر من شهر. وقد أتى اللقاء ونتائجه الإيجابية ليتوّج المساعي التي استمر اللواء عباس ابراهيم بالقيام بها حتى حين قيل إن كل المبادرات توقفت. فابراهيم انتقل حينها من السعي إلى إيجاد حل تقني ــــ سياسي لمسألة إحالة جريمة قبر شمون على المجلس العدلي إلى السعي إلى بحث حلول أكثر عمقاً، عبر التواصل مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحزب الله. وبالنتيجة، تبيّن أن التصعيد الذي بلغ مداه في اليومين الماضيين، قد سرّع الحلول، التي توّجت بلقاء بعبدا، الذي شارك فيه ابراهيم.

فقد أيقن الجميع أن الاستمرار بالمواقف نفسها سيؤدي إلى انقسام الحكومة أو إلى استقالتها، وهو ما لا يحتمله الحريري ولا يريده رئيس الجمهورية. لذلك، كان الاتفاق على تحييد مسألة إحالة جريمة قبر شمون إلى المجلس العدلي وتأجيل النقاش فيها، على أن يبقى المسار القضائي مستمراً في المحكمة العسكرية. بحيث ينعقد مجلس الوزراء بجدول أعماله الذي كان مقرراً لجلسة 2 تموز التي لم تنعقد.
بعد اجتماع بعبدا، انتقل ابراهيم إلى خلدة، حيث التقى النائب طلال ارسلان، شارحاً له المسار الذي أخذته القضية، ومؤكداً أن حلفاءه وقفوا معه حتى النهاية ولا يزالون، لكن الأمور وصلت إلى مكان يهدد الاستقرار السياسي، ويؤدي إذا ما استمر إلى انقسام الحكومة وفرطها، فاستمهل ارسلان ضيفه قبل أن يعطيه الإجابة.
بقي النائب السابق وليد جنبلاط. عندما أدرك أن الأمور تذهب في هذا الاتجاه، وقطعاً للطريق أمام ابراهيم الذي انتقل إلى كليمنصو، اتهم عون بالسعي إلى الانتقام. وقال جنبلاط في تغريدة عبر تويتر: «لم تعد القضية قضية مجلس وزراء ينعقد أو لا ينعقد. السؤال المطروح: هل التحقيق سيجري مع الذين تسببوا بحادثة البساتين أم سيبقى هؤلاء يسرحون خارج المساءلة لأن رئيس البلاد ومن خلفه يريد الانتقام. إذا كان الأمر هكذا، فنحن نملك الصبر والهدوء إلى يوم الدين ولم تطلب ضمانة من أحد سوى القانون».
وبموقفه هذا إنما عبّر جنبلاط عن رفضه للمخرج المطروح، وبشكل أدق رفضه لاستمرار المحكمة العسكرية بالنظر بالقضية، قبل الحصول على ضمانات بأن لا تتحول المحاكمة إلى أداة للاستهداف السياسي.
مقابل التشدد الجنبلاطي، سارت كتلة الوفاء للمقاومة في المسار الساعي إلى إعادة تفعيل العمل الحكومي. فأكدت أن «السجالات والمماحكات بين الأفرقاء لا تنتج حلاً ولا تعالج مشكلة». وطالبت بضرورة «اجتراح الحلول المناسبة لمصلحة تسيير عجلة البلاد وتعاون الجميع لتحقيق المصالح العامة للبنان وللبنانيين».


وفي سياق متصل، أدان حزب الله البيان الصادر عن السفارة الأميركية أول من أمس بشأن جريمة قبر شمون، واعتبره «تدخلاً سافراً وفظّاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويشكّل إساءة بالغة للدولة ومؤسساتها الدستورية والقضائية، وهو تدخل مرفوض في نزاع سياسي محلي وقضية مطروحة أمام القضاء اللبناني القادر منفرداً على القيام بواجباته على أكمل وجه».
وإذ رأى الحزب أن «غاية هذا البيان هي إضفاء المزيد من التعقيد على الأزمة الراهنة»، اعتبر أن «تدخل السفارة الأميركية المرفوض في الشكل والمضمون والتوقيت، هو استكمال للتدخل الأميركي المتواصل في الشؤون السياسية في لبنان والمنطقة، ومحاولة لتعميق الانقسام في الوضع الداخلي اللبناني».
وختم: «إن حزب الله بقدر ما يستنكر هذه السياسة الأميركية الوقحة في شأن يخص اللبنانيين وحدهم، يرى في هذا البيان إدانة صريحة لكل أدعياء الحرية والسيادة والاستقلال، الذين صمتت أفواههم وانكسرت أقلامهم».