أول مرة سمعت مسؤولاً عربياً يتحدث عن «طريق الحرير» كانت قبل أكثر من ربع قرن. وكان المتحدث الشيخ ناصر صباح الأحمد، الذي راح يصف كيف سوف تتغير تجارات العالم وأحجامها وأسواقها، وعلاقتنا بها، كلما ازدادت الصين انفتاحاً.
 

كان الشيخ ناصر يومها يتحدث عن «نقاط المستقبل» ويشرح أسبابها. وأذكر أنه تحدث يومها أيضاً، عن ازدهار غوا، الهندية. اعتبرتُ يومها أن الشيخ ناصر يبالغ في مخيلته وفي ربط المستقبل بالتاريخ. وقلت في نفسي إن «طريق الحرير» ليس سوى مسمى شعري من الماضي أيام كان العالم – وبضائعه – يتنقل على عربات لا تزيد سرعتها على عشرة أميال في الساعة.
لم تغب «طريق الحرير» عن بالي، لكن باعتبارها خيالاً خصباً. لكن عاماً بعد عام، أخذت الصين تصبح طريق العالم. ولم نعد نستورد منها الحرير، لكننا أصبحنا نصدر إليها بحراً من النفط. والصين التي لم تكن في اعتبار أحد يوم حدثنا عنها الشيخ ناصر، هي الآن ثاني اقتصاد في العالم، على الأقل.
 

الدولة الزراعية البائسة، التي كان أهلها يرتدون جميعاً زياً واحداً، تصرف الآن آلاف الملايين في تنمية آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. الدور الذي كان تقوم به الولايات المتحدة حول العالم، تقوم به الصين اليوم، على «طرق» الحرير، وليس طريقاً واحدة. ويقدّر بنك آسيا للتنمية أن 22 تريليون دولار سوف تصرف خلال عقد في المناطق المتصلة. والصين تساعد وتصنع وتصدِّر. وأمامها أسواق بلا حدود: أقل من 10 في المائة من أهل جنوب آسيا يملكون جهاز كومبيوتر، أو ميكروويف، وأقل من ثلثهم يملك ثلاجات. لكن الطرق ليست حريراً كلها. التوسع الصيني يقلق الفلبين واليابان والعدو التاريخي في فيتنام، كما يقلقه عدم الاستقرار المزمن في أفغانستان.
 

وطرق الحرير بحرية أيضاً. فالشركات الصينية بنت، أو اشترت، كلياً أو جزئياً، المرافئ من جزر المالديف وسريلانكا وجيبوتي إلى إسبانيا وفرنسا وبلجيكا. وقبل أعوام سيطرت شركة «كوسكو» على مرفأ بيريوس، أكبر مرافئ اليونان، وأصبحت أكبر شركة حاويات بحرية في العالم. ولا يزيد عمر «كوسكو» على عقد ونصف العقد. وخلال 15 عاماً أيضاً، قدمت الصين قروضاً ومساعدات إلى بلدان الكاريبي وأميركا اللاتينية تزيد على 220 مليار دولار!
 

أنقل هذه الأرقام عن كتاب «طرق الحرير الجديدة» لبيتر فرانكوبان، من أجل الاعتذار إلى الشيخ ناصر عن سوء الظن. وتبقى جزيرة غوا، التي قال يومها إن من يستثمر في فقرها، سوف يحصد في ازدهارها. وأعتذر أيضاً.