المشكلة في الحركات القومية ليست في دعوتها إلى تحقيق نفسها، بل في إصرارها على إلغاء الآخر. ولذلك، كانت مثل الأديان والمذاهب؛ السبب الأهم في الحروب الأهلية، أو الإقليمية، أو العالمية، خصوصاً في أوروبا وفي الولايات المتحدة؛ أي حيث تقاتل الكاثوليك ضد البروتستانت، أو الشمال ضد الجنوب، أو اليسار ضد اليمين كما في إسبانيا.


القومية الألمانية تسببت في الحرب العالمية الأولى، وأشعلت الحرب العالمية الثانية. بدأ هتلر في «الدفاع» عن ألمان تشيكوسلوفاكيا، وانتهى باحتلال فرنسا، وإحراق مدن روسيا، متحالفاً مع قوميات أكثر جموحاً مثل اليابان وإيطاليا الفاشية.


بعد فوز بوريس جونسون بزعامة بريطانيا رافعاً شعار «الخروج من أوروبا»، قفزت الموجة القومية خطوة أخرى في مجهول العالم. بعد أميركا ترمب، وروسيا بوتين، وفوز القوميين الساحق في البرازيل وإيطاليا واليونان والمجر والنمسا... وغيرها، تبدو الخريطة القومية الإلغائية، الأكثر اتساعاً في العالم، منذ عشية الحرب العالمية الثانية.


صحيح أن نظاماً مثل بريطانيا لا يمكن أن يسمح بالتحول نحو الفاشية، أو العودة إلى العسكريتاريا، لكن ذلك لا يمنع ظواهر القلق. فالمستر ريس - موغ، الذي كلفه بوريس جونسون مهمة العلاقة مع مجلس العموم، أصدر في أول قرار له، التعليمات بالعودة إلى «المقاييس الإمبراطورية غير العشرية»، وطلب إلغاء بعض الكلمات الدارجة والعودة إلى تعابير القرن التاسع عشر. وقد يقال إنها مسألة بسيطة صادرة عن سياسي متفذلك. لا. إنها عنوان، ولو صغيراً أو مضحكاً، لم يكن ممكناً ظهوره بالأمس. المستر ريس - موغ اكتشف، عام 2019، أن مثل هذه المضحكات، لن تسجل في المناخ السياسي الحالي، في باب ثقل الدم.


عندما تسود الاستعلاءات القومية، يصبح كل شيء ممكناً؛ أن يكون حق إلهان عمر في الرد مثل حق دونالد ترمب. وأن يكون حق الصحف البريطانية كاملاً في وضع الفاصلة بعد حرف العطف، بعكس ما أمر المستر ريس - موغ، وقواعد مدرّسة الرابع ابتدائي.


تقوم الحركات الفاشية في معظمها على المظاهر البالية. وتصبح نظافة الحذاء أكثر جوهرية من نظافة الضمير واليد واللسان. ولا تعود اللغة في عبقرية الفكر، أو القول، بل في الفاصلة بعد واو العطف. شكسبير ينتحب، رامياً النقاط والفواصل في عرض نهر الإفون.