الوباء الإيراني لم ينتشر إلا بسبب الجهل والفقر وضعف روح المواطنة.
 

ابتليت دول عربية عديدة بإيران. العراق ولبنان واليمن وسوريا. كل واحدة من تلك الدول لها حصة من ذلك البلاء. غير أن ما يجمع بينها هو أنها وقعت تحت حكم ميليشيات تابعة لإيران لا ترى قيمة أو معنى لسيادتها.

لا تملك تلك الدول علاقات دبلوماسية واضحة بإيران. ذلك لأن الأخيرة لا تعترف بها دولا مستقلة. فهي تعتبرها مجرد ملاحق مؤقتة، سيأتي الوقت المناسب لضمها إليها.

تلك حقيقة، من شدة مرارتها لا يرغب الكثيرون في الإنصات إليها والتعامل معها بطريقة جادة. وهو ما يُصعب محاولة البحث عن مخرج من تلك الكارثة التي لم تعد إيران معنية بالتستر عليها. لقد استثمرت ثلاثة عقود في العمل على أن تصل إلى مرحلة الاحتلال بالوكالة.

هناك اليوم ميليشيات في تلك الدول تعمل على تطبيع الخضوع لإيران كونه من وجهة نظرها خيارا طبيعيا بسبب ما تفترضه من أسباب للقطيعة مع الماضي الوطني الذي عاشت في ظله تلك الدول مستقلة ومحترمة وذات تأثير إقليمي وعالمي.

رضينا أم لم نرض صار اليوم علينا أن نعترف بأن الخرائط السياسية كلها قد رُسمت لتكون إيران سيدة على تلك الدول. ومن السخف أن نغمض أعيننا عن حقيقة أن إيران نجحت في استغلال الظروف، ودسّت في تلك الدول طابورا خامسا تابعا لها، غير أنه طابور مسلح وصل عن طريق الديمقراطية المسلحة إلى الحكم، كما هو الحال في العراق ولبنان، أو أنه لا يزال يقاتل بحثا عن شرعية ناقصة كما في اليمن، أو أنه دس أذرعه في مفاصل الدولة الأمنية كما في سوريا.

واقع الحال في تلك الدول يقول إن العقود التي كافح فيها العراقيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون من أجل بناء دول حديثة ذهبت هباء، وأن كل التضحيات التي قدمتها أجيال من الحالمين بغد أفضل قد تم نسفها وتصفيتها، ولم يعد أمام تلك الشعوب سوى أن تتّبع تعليمات الولي الفقيه التي يتلوها عليها أولاد الشوارع وقطاع الطرق واللصوص والمحتالون من أتباع إيران الذين اكتشفوا أن بلاهة الواقع التي يصنعها الجهل والفقر والتمييز وغياب العدالة تسمح لهم بالهيمنة على شعوب، كانت قد علمت البشرية الكتابة والقراءة وسنت القوانين وحبتها الطبيعة بثراء خيالي وكانت يوما ما مثالية في نزاهتها.

الوباء الإيراني لم ينتشر إلا بسبب الجهل والفقر وضعف روح المواطنة. سيكون من الصعب هنا التعريف بمفردات ذلك الواقع الذي سبق مرحلة الانتهاك الإيراني من خلال ميليشيات لم يتم تنظيمها في ليلة وضحاها. ولم يكن خضوع الشعوب لتلك الميليشيات ممكنا لولا عمليات تم من خلالها استدراجها إلى الحضيض، وكان للأنظمة السياسية العربية التي كانت قائمة الدور الأكبر فيها.

لقد ضاعت دول عربية محورية وقبلها ضاعت شعوب عربية وهي تتلفت بحثا عن لحظة إنقاذ. وحين ظهرت الميليشيات الإيرانية كان من الصعب مقاومتها بسبب هشاشة البنية الاجتماعية وتدهور البنية الثقافية وجهل الأغلبية الساحقة من الشعب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية التي تديرها ماكنة لم تكن تعترف بالشفافية.

تمكن الإيرانيون من التسلل إلى تلك الدول وتأسيس ميليشياتهم فيها ليس بسبب قوة حيلتهم وذكائهم وخططهم غير المسبوقة، بل بسبب ضعف الأنظمة السياسية الحاكمة في تلك الدول وانهيار الإرادة الشعبية وتخلخل المعايير والقيم الاجتماعية والثقافية.

قبل أن يعلن الإيرانيون عن انتصارهم كانت الأنظمة السياسية في تلك الدول قد أعلنت عن هزيمتها. وليس من المستهجن هنا الإشارة إلى شعوب مهزومة. لم تحقق إيران انتصارها إلا على جثث شعوب مهزومة.

اليوم إذ تنتظر إيران نهاية لأزمتها فإن دولا عربية أربع لا تزال تنتظر قيامتها. وهي قيامة لا يمكن أن تقع من غير أن تنتصر الشعوب لكرامتها.