كتبت صحيفة الراي الكويتية: لم يحْجب بقاءُ الأولويات الداخلية في صدارة المَشهد اللبناني وهْجَ دخول المنطقة في مرحلةٍ أشْبه بـحربٍ مع وقف التنفيذ، بعدما نقلتْ إيران المواجهةَ مع الولايات المتحدة إلى مستوى اللعب على المكشوف في معركةٍ باتت معها واشنطن وطهران وجهاً لوجه على تخوم الحرب – الأم الاقتصادية (ضدّ إيران)، وسلاحُها الرئيسي صفر صادرات نفطية، وشبح الحرب العسكرية التي لا تريدها الإدارةُ الأميركية وترقص على حافتها طهران في محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل عقوبات 3 مايو 2019.
 

ورغم الانهماكِ الداخلي بملفاتٍ من "حواضر البيت اللبناني" مثل استكمال مناقشة مشروع موازنة 2019 في البرلمان ومَساعي تفكيك "ألغامِ" التعيينات الإداريّة ورصْد "اتجاهاتِ الريح" في العلاقات بين العديد من مكوّنات الحكومة، فإنّ الكواليسَ السياسيةَ كانت "راداراتُها" شاخصةً على "الغليان" في الخليج والخشية من ألا تتأخّر "فقاقيعُه" في الظهور على الساحة اللبنانية وخصوصاً إذا انزلقتْ حال "الإصبع على الزناد" إلى الانفجار الشامل، إن لم يكن بقرارٍ كبير غير موجودٍ فبفعْل سوءِ تقديرٍ كبير.

وفيما بدتْ بعضُ الأوساطِ المطّلعةِ في بيروت مُطْمَئنّةً نسبياً إلى تَولّي إيران بنفسها، عبر استهداف طائرة الاستطلاع الأميركية المُسَيَّرَة، حمْلَ "رايةِ" ما تعتبره هجوماً - دفاعياً و"احتكاكها" المباشر مع الولايات المتحدة من ضمن لعبة "عضّ الأصابع" على جبهة العقوبات بما يعكس في أحد جوانبه استعجال طهران قطْع حبْل "خنْقها اقتصادياً" وفي جانبٍ آخَر أن مرحلة الرسائل بـ"صندوق بريد الأذرع" لم تَعُد تكْفي، فإنّ هذا الأمر لم يقلّل من وطأة المَخاوف من أن يجد لبنان نفسَه في "فم النار" بحال وقوع إيران في أي "جرعةٍ زائدة" في سياق "ملاعَبة التنين" الأميركي، ما سيعني اندلاع الحرب الشاملة التي سبق لحزب الله عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله أن "حجَزَ" لـ"بلاد الأرز" مَوْقِعاً فيها بكلامه الأخير عن "وحدة الجبهات".

ومن هنا اهتمّت الأوساط بشدّة بما شهدتْه الساعات "الحَرِجة" ما بين قرار الرئيس دونالد ترامب بتوجيه "ضربة موْضعية" لإيران ثم "الانسحاب" منه، من "خط ساخنٍ" مفتوح بين الضاحية الجنوبية وطهران ورفْع "حزب الله" مستوى جهوزيّته الى الحدّ الأقصى تحسُّباً لمقتضيات ما بعد الردّ الأميركي. علماً أن ثمة اقتناعاً كبيراً لدى هذه الأوساط بأن الحزب سيكون آخِر "الأوراق" التي تُحَرِّكُها إيران متى دعتْ الحاجة، في ظلّ اتساع "مسْرح العمليات" الذي تستخدمه طهران في حرب "إسقاط العقوبات" (العراق واليمن)، ناهيك عما يُشْبِه "تَوازُن الردع" الذي يحكم الجبهة اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل والذي يجعل أي "لعب" بها أسيرَ حسابات معقّدة ومختلفة.

ووفق الدوائر نفسها، فإن "مناخ الحرب" واحتمالات دخول لبنان على خطّها بدأ يرخي بثقله على الواقع الداخلي، الذي يستعدّ لموسم سياحي واعِدٍ، في ظل ما يشبه "الإنذارات المبكّرة" التي شكّلها تطوران: الأول ذو بُعد أمني - عسكري تجلّى في إعلان الناطق باسم اليونيفيل أندريا تيننتي أن القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان "تطلب أن يكون أي نشاط بالقرب من الخط الأزرق منسَّقاً بشكل مسبق لتجنّب أي سوء فهم وتقليل التوتر ومنْع الحوادث والحفاظ على الهدوء في المنطقة"، مشيراً إلى أن "الوضع على طول الخط الأزرق، وفي منطقة عمليات اليونيفيل يحافظ على هدوئه، وجنود اليونيفيل البالغ عديدهم أكثر من 10.400 جندي لحفظ السلام من 43 دولة يواصلون، بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية، تنفيذ نشاطاتهم". 

والتطور الثاني تمثّل في تقارير صحافية تحدّثت عن هبوط كبير في أسعار سندات الخزينة اللبنانية وعن تسجيل سعر عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية (يجري شراؤها باعتبارها شكلاً من أشكال التأمين على السندات) ارتفاعاً كبيراً، وذلك ربْطاً بـ"المشاحنات السياسية" في بيروت وبالتشنجات الإقليمية التي تتصاعد وتيرتها في الخليج.