يبدو «الماتش» الرئاسي المبكر فاقعاً في أشواطه ولاعبيه في طريقهم الى قصر بعبدا. من هذه الزاوية يمكن فهمُ النار القواتية ـ الباسيلية التي نفضت رمادَ المصالحة، ووضعتها في كهوفٍ سحيقة.
 

لم يكن التراشق القاسي الذي دار في اليومين الماضيين الّا نموذجاً عمّا يمكن أن يحصل كلما لاح أوان الانتخابات الرئاسية، فالمسيحيون «الأقوياء» الذين كرّسوا بمصالحتهم، مبدأ وصول «القوي» الى بعبدا يجهدون في التعامل مع المعركة الرئاسية كأنها ستحصل غداً.

يقول مطلعون على حركة الوزير جبران باسيل إنّ التأهيل الرئاسي بات يطغى على حركته، إذ لا يخطو باسيل أيَّ خطوة إلّا إذا كان لها مردود في تعزيز فرصه الرئاسية.

من نقاش الموازنة الى اللقاءات والاتّصالات العربية والدولية، الى الكباش الداخلي مع معظم الاطراف، يهدف باسيل الى تعزيز مشروعيّته السياسية، داخل تياره أولاً، لشعور منه بأنه لم يسدّ بعد كل الثغرات التي يمكن أن تطرأ إذا تسلّم المسؤولية بمفرده.

يريد باسيل أن يعزّز شرعيّته المسيحية بإعطاء صورة عن قدرته، على ادارة «التيار الوطني الحر» والجمهور المسيحي، وعلى كسر شوكة مَن تولّوا السلطة منذ العام 1990 حتى العام 2005، وابرزهم تيار «المستقبل» والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، كما يريد أن يثبت لـ»حزب الله»، انه الطرف الأكثر فائدة مسيحياً لتولّي الرئاسة، في المقارنة مع سليمان فرنجية غير الديناميكي والمحلي، ومع سمير جعجع المعادي، كذلك يريد الاستفادة من الهامش الكبير الذي يمنحه إياه دعمُه المطلق لسلاح الحزب، بالقيام بخطوات تكتيكية في الانفتاح على الغرب وعلى العرب، ولم يتردّد في هذا الاطار في استقبال النائب الأميركي الصديق لإسرائيل اليوت أنغل، والهدف تحت سقف دعمه لسلاح «الحزب» أن يزيل أيّ «فيتو» غربي وعربي على انتخابه رئيساً.

تصدُّر المشهد الداخلي كان عنواناً كبيراً لحركة باسيل الذي افتعل نقاشاً في الجلسة الـ 12 للموازنة في مواجهة وزير المال علي حسن خليل، خدمةً لهدف تحقيق الندّية، وهذا له مردود سياسي مسيحياً، يعتقد باسيل أنه يزيد من مشروعيته المسيحية التمثيلية، وهو نموذج لما طبّقه في العلاقة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قبل المصالحة العونية ـ الجنبلاطية وبعدها في الجبل.

في المقلب الآخر، يتعامل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع الاستحقاق الرئاسي المقبل، بمنطق المرشح الذي يحظى بالمشروعية المسيحية التاريخية، خصوصاً بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً. وتوحي مصادر «القوات اللبنانية» أنّ جعجع مرشّح باسم هذه المشروعية، وباسم الحالة التي يمثل، وباسم التسوية الكبرى التي كان له اليد في ولادتها ودعمها أي «اتفاق الطائف».

وتعتبر المصادر انّ التقاطع الوطني الذي يناله جعجع نسبة لهذه الاسباب، مختلف تماماً عن السياسة الشعبوية التي ينتهجها باسيل، كما انه يتناقض مع التنافر الذي ولّده أداء باسيل مع معظم القوى السياسية الفاعلة، باستثناء «حزب الله» الذي يسعى لأن ينال موافقته على انتخابه رئيساً.

وتشير أوساط «القوات» الى انّ «من المبكر الحديث عن معركة رئاسية الآن، لكن جعجع مرشح للرئاسة باسم ما يمثل»، وتضيف «انّ العوامل التي أدّت الى انتخاب العماد عون والتي على اساسها تبنّت «القوات اللبنانية» هذا الترشيح، قد اختلفت، فالعماد عون مرّ في طريقه الى بعبدا من معراب و»بيت الوسط» وكليمنصو، وعلى رغم من انه كان على خلاف مع هذه القوى، الّا انه وعند ساعة الاستحقاق اصبح ترشيحُه وفاقياً، عكس ما يجري اليوم، وبالتالي فإنّ المعادلة تحوّلت الى ضرورة إنتاج رئيس إنقاذي يحمل فكر الدولة والمؤسسات، والعيش المشترك، بعيداً من سياسات النكد وإثارة الغرائز والشعبوية».