مبادرة الحوار مع الخليجيين لعب إيراني على الوقت استباقا لقمم مكة.
 
تتحرك إيران باستراتيجية معهودة تقوم على تنويع الوسطاء بدءا بسلطنة عمان ثم العراق والكويت، وأخيرا اليابان، دون أن تقدم أي تنازلات، كما تعمل على ربح الوقت عبر مبادرات غامضة مثل عرض الحوار مع دول الخليج الذي طرحه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ثم مساعده عباس عراقجي، بهدف التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء بين دول المنطقة.
 
واستبق وزير الخارجية الإيراني زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اليابان وأوكل إلى المسؤولين اليابانيين مهمة الوساطة على أمل أن يغير الرئيس الأميركي من تشدّده، والذي بلغ صداه إلى الإيرانيين عبر سلطنة عمان، وقوامه أن واشنطن لا تغلق باب الحوار لكنها تشترط تنازلات إيرانية جديدة سواء ما تعلق بالملف النووي أو بأنشطة إيران في الشرق الأوسط.
 
وكشف ترامب، الاثنين، أن إبرام اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي أمر ممكن، وأشاد بالعقوبات الاقتصادية قائلا إنها ساعدت في كبح أنشطة ترى واشنطن أنها وراء موجة هجمات في الشرق الأوسط.
 
وقال ترامب في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو “نحن لا نتطلع لتغيير النظام في إيران.. أريد فقط أن أوضح ذلك. نحن نتطلع إلى عدم امتلاك أسلحة نووية”.
 
وتساءل متابعون للشأن الإيراني بماذا يمكن أن تنجح اليابان في ما فشلت فيه أوروبا والعمانيون إذا لم تقدم طهران تعهدات جديدة بتغيير أدائها في المنطقة، لافتين إلى أن تنويع الوسطاء لا يغير من حقيقة أن إيران تحتاج قبل ذلك إلى أن تجيب عن سؤال أعمق: هل تقدر على أن تكون دولة طبيعية تهتم بشؤونها الداخلية فقط أم لا؟

وإذا استمرت إيران في النظر إلى محيطها الإقليمي كعدوّ افتراضي وتزرع ميليشيات موالية لها في عدد من دول الإقليم، يصبح من الصعب الحديث عن اتفاق أو وساطة تضمن عدم اختراق إيران لاتفاقياتها الثنائية والجماعية.

وأعاد الاستهداف المنظم الذي تقف وراءه إيران لناقلات النفط حالة ارتياب قصوى إقليميا من الدور الإيراني إلى السنوات الأولى للثورة الإسلامية عام 1979 وشعارات تصدير الثورة وخطابها الطائفي.

ويلقي هذا بالمسؤولية على إيران في أن تقدم على خطوات جدية داخليا لتبديد المخاوف من سياساتها قبل الحديث عن حوار أو اتفاق عدم اعتداء.

وأعلن مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية والدولية، عباس عراقجي، أن بلاده ترحب بالحوار مع أي من دول الخليج، وذلك بعد عرض طهران توقيع اتفاق عدم اعتداء مع جيرانها.

وقال خلال لقائه وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح إن “سياسة العقوبات الأميركية تعرض أمن المنطقة للخطر” مشيرا إلى أن “إيران مستعدة للحوار والتعاون البناء مع دول المنطقة”.

وأضاف عراقجي، الذي سلم وزير الخارجية الكويتي رسالة لم يكشف عن محتواها من نظيره الإيراني، أن “على دول المنطقة أن تكون واعية إزاء التهديدات التي تواجهها”.

والأحد، قال ظريف إن إيران عرضت توقيع اتفاق عدم اعتداء مع جيرانها في الخليج، في أعقاب تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن.

ويعتقد مراقبون أن هذه المبادرة لا تعدو أن تكون مناورة لامتصاص حالة الاحتقان في المحيط الإقليمي ضد إيران خاصة بعد الهجمات الحوثية على منشآت نفط سعودية في الأسبوع الماضي.

ويشير المراقبون إلى أن إيران ستعمل من الآن إلى موعد قمم مكة الثلاث، بأبعادها الخليجية والعربية والإسلامية، على التهدئة ومحاولة تخفيف الاحتقان خوفا من أن تنجح القمم الثلاث في حصر إيران بالزاوية خاصة على المستوى الإسلامي.

ووضعت إيران نفسها في وضع معقد خاصة أنه كان من الأجدر البحث عن دعم عربي وإسلامي في مسعاها لإقناع إدارة ترامب بتخفيف العقوبات بدل أن تراكم الأعداء مع محيطها وخاصة الخليجي الذي لم يعد قادرا على الصمت أكثر تجاه تهديداتها.

وقال ظريف خلال مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره العراقي محمد الحكيم، في بغداد إن طهران “عرضت توقيع اتفاق عدم اعتداء مع جيرانها في منطقة الخليج”.

كما أعرب ظريف عن رغبة طهران في بناء “علاقات متوازنة” مع جميع الدول الخليجية.

ولفت إلى أن “بلاده لا ترغب بأيِّ تصعيد عسكري، وهي على استعداد لتلقي أي مبادرة تساعد على خفض التصعيد وتكوين علاقات بنَّاءة مع جميع دول الجوار”.

وقال وزير الخارجية العراقي إن بلاده تقف مع إيران وإنها مستعدة أن تكون وسيطا بين طهران وواشنطن مضيفا أن بغداد لا ترى في “الحصار الاقتصادي” فائدة في إشارة للعقوبات الأميركية على طهران.

وأضاف الحكيم “نقول وبشكل واضح وصريح إننا ضد الإجراءات الأحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة. نحن نقف مع الجارة إيران في موقفها”.

ولقيت “مبادرة” ظريف دعما روسيا مباشرا حيث قال سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا، الاثنين، إن تخفيف التوتر بالخليج يبدأ باتفاق “عدم الاعتداء المتبادل”.

وأوضح لافروف، في مؤتمر صحافي بموسكو، الاثنين، أن “الاتفاق على عدم الاعتداء المتبادل هو الخطوة الأولى نحو تخفيف التوتر في منطقة الخليج”، معتبرا أن “زيادة القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط ستؤدي إلى مخاطر جديدة”.

ويعتقد محللون أن جولات المسؤولين الإيرانيين واتصالاتهم لا يمكن أن تفضي إلى نتائج طالما أن طهران تسعى لجلب التعاطف دون أن تقدم تنازلات جدية تساعد الوسطاء على أداء دورهم. كما أن الظروف الإقليمية والدولية تغيرت ولم تعد تقبل بمناورات اللعب على الوقت خاصة في ظل تمسك أميركي مدعوم خليجيا بحماية دائمة لأمن الملاحة.

وتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة بعد هجوم هذا الشهر على ناقلات نفط في الخليج. وحملت واشنطن الحرس الثوري الإيراني مسؤولية هذا الهجوم.

ونأت طهران بنفسها عن الهجوم لكن الولايات المتحدة أرسلت حاملة طائرات و1500 جندي إضافي إلى الخليج مما أثار مخاوف من احتمال نشوب صراع في المنطقة.