طهران تراهن على تحريك أدواتها في المنطقة لشن عمليات انتقامية.
 
تسعى إيران للنأي بنفسها عن استهداف أربع سفن قبالة ساحل الإمارات، مراهنة في ذلك على الغموض الذي يحف بالهجوم والوسائل التي استخدمت فيه.
 
لكن خبراء ومحللين يعتقدون أن استراتيجية النأي بالنفس والتملص من المسؤولية لن تمنع من أن تظل إيران هي المتهم الأبرز كونها خلقت مناخا ملائما لتنفيذ هجمات انتقامية عبر تصريحات لمسؤولين على أعلى مستوى يهددون باستهداف الملاحة وناقلات النفط، واستعراض للقوة، وإرسال إشارات تهديد لا لبس فيها بتهديد الأمن الإقليمي.
 
ويأتي هذا في الوقت الذي تراهن فيه إيران على تحريك أدواتها في المنطقة لتنفيذ عمليات انتقامية تساعد في تخفيف العبء عليها، وتدفع الولايات المتحدة إلى العدول عن توجيه ضربات قوية ضد أهداف إيرانية كرد فعل على استهداف حركة الملاحة.
 
وفي أول ردود الفعل على استهداف السفن، وصفت وزارة الخارجية الإيرانية الحادث بأنه “مقلق ومؤسف” وطالبت بتحقيق لكشف ملابساته.
 
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي في بيان نشر على موقع الوزارة بالإنكليزية إن “الأحداث في بحر عُمان مقلقة ومؤسفة” ودعا إلى إجراء تحقيق في الهجمات، وطالب دول المنطقة “بتوخي الحذر من مؤامرات عناصر أجنبية لزعزعة الاستقرار”.
 
واتهم نائب بارز في البرلمان الإيراني “مخربين من دولة ثالثة” قد يكونون وراء الهجوم، وذلك بعدما قال إن الحادث يظهر مدى هشاشة الأمن في دول الخليج.
 
وتحاول إيران خلط الأوراق وتوسيع دائرة المتهمين المفترضين عبر الإيحاء بأن الجهة المنفذة قد تكون جهة خارجية “متآمرة”، أو دوائر متشددة مثل داعش أو القاعدة، في وقت تقول المعطيات الأولية إن الهجوم من تنفيذ جهة ذات خبرات عالية، وإنه يتماهى مع الخطاب الإيراني الذي يلوح بالانتقام واستهداف حركة النفط. إذ لا يمكن تخيل أن تستطيع قوة غير مدربة تدريبا عاليا  إحداث أضرار في 4 سفن تجارية من دون رصدها إلا إذا كانت قوة محترفة ومدربة وعالية التجهيز.

ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عزل طهران بوقف صادراتها النفطية بعد الانسحاب من اتفاق نووي أبرم عام 2015 بهدف الحد من برنامج إيران النووي. وأرسل ترامب كذلك طائرات حربية أميركية وحاملة طائرات إلى الخليج.

وتريد إيران أن ترفع مستوى المخاوف والتهديدات في الخليج، ولكنها تسعى للتملص من أي مسؤولية عبر التصريحات والدعوات إلى إجراء تحقيق، وهو ما يعني منطقيا خلق وضع يصب في صالحها ويضغط على إدارة ترامب للتراجع عن توجيه ضربات لأهداف إيرانية لأن ذلك من شأنه خلق وضع أمني معقد يعرض الملاحة في المنطقة إلى الخطر.

ويعتقد خبراء ومحللون سياسيون أن استراتيجية التصعيد التي تعتمدها إيران تقوم على استبعاد فرضية المواجهة العسكرية، واعتبار أن الضغوط الأميركية تهدف إلى تحقيق نتائج سياسية، ولذلك يرفع المسؤولون الإيرانيون سقف تهديداتهم، وقد يأذنون بتنفيذ عمليات محدودة لإرباك خطط واشنطن.

ولا تراهن إيران على مواجهة عسكرية مباشرة إذ تعتبر ذلك خطوة انتحارية، فقد تعطي الضوء الأخضر للحرس الثوري وقوات العمليات الخاصة التابعة له للقيام بعمليات محددة مثل استهداف مرور السفن قبالة ساحل الإمارات.

كما أن خططها منذ ثورة 1979 تقوم على توظيف وكلائها في المنطقة لتنفيذ عمليات انتقامية مثلما حصل ضد القوات الأميركية في لبنان العام 1983. والآن الوضع بات مغايرا تماما بعد أن توسع نفوذ أذرع إيران في الشرق الأوسط، وبات سلاح حزب الله اللبناني أكبر من إمكانيات الجيش اللبناني. كما توسعت أنشطة الميليشيات الحليفة لها في العراق وسوريا واليمن، وباتت تمتلك قدرات متطورة بما في ذلك القوات التي تم تدريبها على يد حزب الله وهي ميليشيات مختلفة لبنانية وعراقية ويمنية، وصارت القوات البدائية نسبيا في اليمن اليوم تطلق طائرات مسيرة.

ولعب حزب الله، بالدرجة الأولى، وحركة حماس والجهاد الفلسطينيتان على شن حروب ومعارك بالوكالة لفائدة إيران مع إسرائيل لإظهار مدى نفوذ طهران وتحسين شروط تفاوضها في ملفات مختلفة بينها موضوع النووي.

ويمكن أن تستمر طهران في أسلوب مشاغلة الولايات المتحدة عبر تهديد أمن إسرائيل من خلال زيادة الدعم لفصائل فلسطينية محددة، وخاصة حركة الجهاد الإسلامي التي تدين بالولاء لها، والتي يمكنها أن تطلق مجموعة صواريخ لاستثارة إسرائيل ودفعها إلى ردة الفعل مثل اجتياح القطاع، وهو وضع لا يسمح لواشنطن بفتح جبهة أخرى مع إيران.

وكشفت تسريبات عن أن الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، قد عقد نهاية الأسبوع الماضي، اجتماعا مطولا مع الأمين العام لحركة الجهاد زياد النخالة، وهو ما قد يكون أفضى إلى اتخاذ قرار بتسليم حركة الجهاد صواريخ جديدة بانتظار افتعال مواجهة مع إسرائيل.

وتقول تقارير إسرائيلية وغربية إن حركة الجهاد الإسلامي باتت تمتلك صواريخ أكثر من تلك التي تمتلكها حماس التي لا تزال تحتفظ بدعم إيران وحزب الله، ولكن بوتيرة أقل بسبب مخلفات الأزمة السورية.