إذا تتبعنا الديانات الأكثر انتشاراً في العالم اليوم، وجدنا أن أتباعها أو شرائح كبيرة منهم، يتداولون قصصاً عن معجزاتٍ وكرامات تكاد تكون متطابقة، إذا ما نزعنا منها اسم الإله أو النبي أو القدّيس أو الوسيلة التي تتحقّق بها المعجزة، حيث تدور جميعها حول تحقيق أمنيةٍ، أو النجاة من ضررٍ، أو الإتيان بفعلٍ خارقٍ.
 
يحدث ذلك رغم أن الديانات مختلفة في تصوّرها للإله، وفي طقوسها وتعليماتها، بل وبعضها يضع أتباع الأديان الأخرى في الجحيم، أو على الأقلّ، خارج دائرة الرضا الربّاني، بينما أتباعها في النعيم أو داخل دائرة الرضا والسعادة.
 
هنا تتبادر ثلاث أسئلةٍ إلى الذهن، أوّلها: هل تَعَدُّد الديانات مع تكرار المعجزات يطعن في فكرة الإله الواحد، أو فكرة الدين نفسها؟ وهو سؤال لا طائل من البحث فيه، أما السؤالان الآخران اللذان نحاول الإجابة عليهما، فهما يخصّان المؤمنين، وهما:
 
كيف نرصد هذا التطابق في قصصٍ شبه متكرّرةٍ من دياناتٍ مختلفةٍ حول المعجزات والكرامات؟ هل هناك رابط مشترك بين أصحاب الديانات المختلفة، من خلاله تتحقّق المعجزات؟
 
إذا ما اخترنا نموذج المعجزات أو الكرامات التي تتبلور حول "شفاء مريض"، سنجده متكرّراً، ويكاد يكون متطابقاً، كما سنبيّن من خلال قصص من داخل الديانات.
 
ماذا لو بدّلنا النبي بالمسيح أو العذراء؟ أو بدّلنا صحابيّاً بحبرٍ أو راهبٍ؟
الشفاء كان من معجزات المسيح الواضحة التي تجاوزت المرض إلى حدِّ إحياء الموتى، ولكن المسألة ليست في المسيح نفسه فقط، ولكن كلّ من هم على اتصالٍ به يستطيعون الإتيان بمعجزات، كالسيّدة العذراء، كما نقرأ في مواضع متعدّدة في الكتاب المقدّس.
 
ويحكي راهب مصري في الفيديو التالي، أن راهبة تعمل في أحد أديرة حي "مصر القديمة" بالقاهرة، مرضت فذهبت إلى مستشفى، فأخبرها الأطباء أنها تحتاج إلى إجراء جراحةٍ، فرفضت، لأنها لا تريد أن ينكشف جسدها على رجال، ولكنها باتت ليلتها في المستشفى، وقبل أن تنام تأثّرت وبكت، وأخذت تنظر إلى صورة العذراء وتعتب عليها لأنها ستتركها لرجالٍ يجرون لها جراحة، فخرجت السيدة العذراء من الصورة وأجرت لها العملية الجراحيّة بنفسها.
 
وحين استيقظت الراهبة في الصباح وجدت أدوات الجراحة موجودة، وتأكّدت أن ما حدث لها كان واقعاً وليس حلماً، وأنها قد أجرت الجراحة فعلياً، وشفيت بعدها.
وكما شفيت الراهبة على يد السيّدة مريم العذراء، شُفي الإمام علي بن أبي طالب على يد النبي محمد يوم غزوة خيبر، فحين أراد النبي أن يعطيه قيادة الجيش وجده مريضاً في عينيه، فبصق من ريقه عليها فشُفيت، كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم.
وفي اليهوديّة نلمس معجزات الشفاء أيضاً، منها ما جاء في كتاب "الآيات والمعجزات في الكتاب المقدّس" للأب بولس الفغالي، عن أن الحبر رابان غملائيل قد مرض ابنه، فأرسل اثنين من تلاميذه إلى الحبر حنينة بن دوسة، الذي اشتهر بمعجزات حول شفاء المرضى، يسأله أن يطلب الرحمة الإلهيّة لابنه، وحين رآهما حنينة، صعد إلى مكان مرتفع وصلّى من أجل المريض، وحين نزل قال للتلميذين: تستطيعان الذهاب، فقد فارقَتهُ الحمّى... وعاد التلميذان إلى غملائيل فأكّد لهما: "في الساعة التي تقولان"، لا قبل ولا بعد، فارقته الحمّى وطلب منّا أن نسقيه.
 
ويتحدث المشناة (كتاب اليهود المقدّس بعد التوراة) عن أنَّ حنينة كان يعرف عندما يطلب من الله شفاء مريض، إن كان سيُستجاب له أو لا، حسب سهولة نطقه للصلاة من أجل المريض: "إذا سالت صلاتي بسهولة من فمي، أعرف أنها استجيبت، وإلا أعرف أنها ألغيت".
 
وفي قول بن دوسة تشابهٌ يقترب من التطابق، مع قول الصحابي الخليفة عمر بن الخطاب الذي أورده ابن قيّم الجوزية في "مدارج السالكين": "إني لا أحمل همّ الإجابة، وإنما أحمل همّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه".
 
الهندوسيّة.. ماذا لو تبدّل ساتيا بابا بصحابي أو قسيس أو حبر؟
الهندوسيّة التي يؤمن بها أكثر من مليار شخص في العالم، مليئة بقصص الخوارق التي تتحقّق على أيدي حكمائها، وأكثرهم شهرة مؤخراً هو ساتيا ساي بابا Sathya Sai Baba ، الذي توفّي عام 2011، فقد كان يشفي المرضى، ويُخفي جسده أمام الناظرين، وغيرها من معجزاتٍ صدّقها الملايين وآمنوا بها.
 
ومن الأمثلة على ذلك قصّة لشخص يدعى Van Nuysa من كاليفورنيا، منشورة على موقع Amazing Abilities المتخصّص في الروحانيات، عن معجزة شفائه على يد ساتيا بابا، حيث يقول إنه شعر بألمٍ في ركبته، وتبين أنه مقبل على جراحةٍ صعبةٍ فيها، وهو يخاف من الجراحة، فعُرض عليه العلاج بالوخز بالإبر فوافق، ولكنه مكث 10 سنوات في العلاج بلا نتيجة، ففكّر في الذهاب إلى ساتيا في الهند.
 
وبالفعل ذهب وجلس مع آلاف المحتشدين في معبده، وكتب شكواه في ورقة ليسلّمها له، كما الأسلوب المتبع من مريديه الذين يتدافعون عليه وهو يمرّ من بينهم، وبعد مجهودٍ مدعومٍ بالأمل في الشفاء، وصل الرجل بعد يومين إلى ساتيا، وسلّمه الرسالة، فنظر ساتيا في عينيه بتأمّلٍ لمدّة 5 ثوان، وبعدها انصرف الرجل، وحين استيقظ من نومه في اليوم التالي كان كلّ شيء قد اختلف، وعادت ركبته إلى طبيعتها.
 
هنا أتت معجزة الشفاء على يد شخصٍ متصلٍ بالإله أو حلّ فيه الإله، وفقاً للمعتقد الهندوسي، ونفس الأمر يتكرّر في الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، حيث يستطيع وليٌّ أو قسيسٌ أو كاهنٌ أن يساهم في شفاء شخص بالدعاء له أو الصلاة من أجله، كما يُعتقد.
 
البوذيّة.. ماذا لو بدّلنا التعويذة بالرقية أو الصلاة؟
المعجزة في البوذيّة قائمة على قوّة العقل، الذي يستطيع أن يدخل في دوراتٍ تأمّليّةٍ شديدة العمق، بدرجة تجعل هذا المتأمّل يفعل الخوارق، كالشفاء من الأمراض، والطيران في الهواء، وغيرها من خوارق يصل إليها المؤمن بالبوذيّة كلّما اجتهد في تأملاته، والتي قد تقابل من يجتهد في صلاته لدى الديانات الإبراهيميّة، ويمكن أن نقرأ الكثير عن ذلك في مؤلّفات عدّة، منها "مدخل إلى البوذيّة" لكونراد مايزيغ‎.
 
ويرتكز الشفاء من الأمراض في البوذيّة حول مجموعة طقوسٍ، تشمل الجلوس أمام تمثال "بوذا الطب" أو رسمه بوضعيةٍ معيّنةٍ، ثمّ قراءة تعاويذ وصلوات خاصّة بالشفاء، وبعد الاستغراق في تلك الممارسات لفترة ومع ازدياد اليقين بها، يشفى المريض.
 
ويأتي هذا العلاج بفاعليّةٍ كبيرةٍ إذا ما كان الشخص المريض حاضراً وسط مجموعةٍ تمارس هذه الطقوس، حيث تركّز المجموعة كامل طاقات أفرادها الروحيّة باتجاه شفاء هذا المريض.
 
وتحكي Faith Stone وهي عضو في جماعة Dakini As Art المعنية بالفن البوذي، في مقالة لها على موقع البوذيّة العالمي Global Buddhistdoor، أكثر من حكايةٍ عن معجزاتٍ شفائيّة، منها أن شاب سقط من على حصان وكسر فخذه، وأجريت له جراحة، ولكن قلبه توقّف عن النبض عقب العملية مباشرة، وأُصيب بجلطةٍ في المخ، وظلّ في غيبوبة لمدّة شهرٍ، واعتقد الجميع أنه لن يعيش، وإن عاش سيعاني من مشاكل في دماغه.
 
ولكن ستون تقول إنها دخلت مع مجموعتها البوذيّة في طقوسٍ من أجله، وفي الوقت نفسه وضعت بجانبه صورةً لتمثال بوذا في المستشفى، فاستفاق الشاب وتكلّم.
 
وفي هذه الطقوس نلمس تشابهاً مع الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، إذ أن بالبوذيّة تعويذات تُقال للشفاء، وهي قد تعادل الرُقية في الإسلام، وصلاة الشفاء في المسيحيّة، والصلاة التي كان ينطق بها حنينة لشفاء المرضى.
 
قوة العاطفة تخلق الفكرة
في كل الأديان يشكّل الإيمان والإخلاص للفكرة الدينيّة حجر الأساس في فاعليتها، وتحقيق المعجزات من خلالها، بتحويل المعنى الروحاني العاطفي للدين، المصحوب بالرغبة، إلى شيءٍ ماديٍّ ملموس، فتتحوّل العاطفة هنا إلى فكرةٍ ماديةٍ لها منطقها، ولعل هذا هو سرّ قوّة الأديان.
 
ولعل من المناسب هنا الاستعانة بما اتجه إليه الفيلسوف الهولندي باروخ سيبنوزا، حيث يقول: إن الفكرة يجب ألّا تنقصها حرارة الرغبة، كما أن الرغبة يجب ألّا ينقصها ضوء الفكرة، لأن العاطفة لا تظلّ عاطفة إذا ما تكوّنت عنها فكرة واضحة جليّة، حسبما نقل عنه كامل محمد عويضة في كتابه "باروخ سبينوزا: فيلسوف المنطق الجديد".
 
ونلمس ذلك فيما تقوله الديانات نفسها: ففي المسيحيّة تُبنى المعجزة على الإيمان لا العكس، فالإيمان لا يأتي بعد المعجزة بل يسبقها، لأنه اتكال على القدرة العجائبيّة يُترجم في السلوك، وهذا الإيمان يدفع الإنسان إلى التقرّب من يسوع، بحسب كتاب "المعجزات في الإنجيل" الصادر عن دار المشرق في بيروت، ضمن سلسلة دراسات في الكتاب المقدّس، لمجموعة من الباحثين.
 
وفي الإسلام نلمس نفس المعنى، حيث يقول الله في الحديث القدسي: "... ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه"، حسبما يروي البخاري. أي أن قوة إيمان المسلم بالله حين تصل لذروتها، تجعل الدنيا طيعة في يده، فهو يتعامل معها بقوة إلهية، تجعله حين يسأل الله شيئاً يعطيه، وإذا استعاذ به من شيء كفاه شرّه، مهما كان.
 
وفي اليهوديّة نجد أن المعجزة هي أعطية الله، وهي تقابل الحرارة الدينيّة عند المؤمنين، بحسب ما يوضّح الأب بولس الفغالي، في كتابه "الآيات والمعجزات في الكتاب المقدّس"، حيث يذكر أن الناس في زمن رابي فافا أبّايي، تساءلت: لماذا لم نعد نرى المعجزات؟ فأجاب: لأن الأقدمين كانوا مستعدّين لأن يضحّوا بحياتهم من أجل تقديم الاسم (اسم الله)، أما نحن فلسنا بمستعدّين لهذه التضحية".
 
كذلك نلمح فيما ذكرنا عن الهندوسيّة والبوذيّة، فالإيمان وتوجيه العواطف ناحية اللامادي واليقين به، كما في الرجل الذي سافر من كاليفورنيا إلى الهند لمقابلة ساتيا ساي بابا، والشاب الذي سقط من على الحصان خلق المعجزة المادية.
 
وفي كل ما سبق نجد أن الإيحاء القوي الناتج عن الإيمان هو ما يحقّق المعجزة، وهو أمر تحدّث عنه فلاسفة وعلماء من ثقافاتٍ مختلفة، حتى اعترف علماء اللاهوت الإسلامي أنفسهم به، ومنهم ابن القيّم الجوزي، الذي ذكر في كتابه "زاد الميعاد"، مجموعة صفات للطبيب الجيّد ومنها "العلاج بالتخييل"، حيث قال "فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكلِّ مُعين".
 
كذلك نسب للطبيب والفيلسوف اليوناني أبقراط، أنه كان يؤمن بإمكانية فرض الشفاء على المريض بقوّة الإيحاء، مستغلّاً إيمان المريض بقوّة الطبيب، حيث ينقل عنه الدكتور أحمد توفيق حجازي في كتابه "موسوعة الطب البديل" قوله:
 
"كنت أربّت على أجسام مرضاي ملاطفاً، غالباً ما بدا لي كأن هناك خاصيّة غريبة في يدي تشدّ وتُخرج الأوجاع من الأجزاء المصابة، وذلك يحصل بوضع يدي على المكان المصاب، وبمدِّ أصابعي نحوها، وذلك ليعرف المتعلّم أن الصحّة يمكن أن تُفرض على المريض بحركاتٍ معيّنة، وبالاتصال تماماً، كما ينتقل المرض من إنسان آخر".
 
محمد حسين الشيخ