باريس تدعو إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار في ليبيا تحت إشراف دولي.
 
ترفض حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج الدعوات إلى وقف إطلاق النار مع أنها في وضع صعب عسكريا ودبلوماسيا، ما يكشف عن مخاوف جدية لديها من أن نهاية الحرب على الوضع الحالي ستكشف محدودية نفوذها جغرافيا وسياسيا، وأن الوضع الجديد سيضع قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر في قلب طرابلس.
 
وفيما هدف السراج من جولته الأوروبية الحصول على “تأييد” لحكومته، فإنه سمع خطابا مغايرا يحث على وقف إطلاق النار، وهو ما لا يخدم وضع الحكومة والميليشيات الحليفة.
 
ودعت فرنسا الأربعاء إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار في ليبيا تحت إشراف دولي، وذلك بعد اجتماع بين الرئيس إيمانويل ماكرون وفايز السراج.
 
وقال الإليزيه في بيان إن ماكرون “شدد على ضرورة حماية السكان المدنيين”. كما طرح مقترحا “لتحديد خط لوقف إطلاق النار تحت إشراف دولي”.
 
كما تلقى السراج إشارات قوية من الدول التي يصنفها كأصدقاء، مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، بأن لا حل دون حوار مع حفتر ودون التعامل معه كشخصية محورية في المرحلة المقبلة.
 
وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الاثنين بعد لقائها بالسراج، أن بلادها تسعى لإيجاد موقف أوروبي موحّد يعجل وقف إطلاق النار في طرابلس والعودة إلى المسار السياسي.
 
وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت في تصريحات لصحيفة الغارديان الثلاثاء، إن الطريقة الصحيحة للتقدم هي وقف إطلاق النار والعودة إلى الحوار والتسوية السياسية، مشيرا إلى أن بلاده لا تستبعد دور حفتر في حكومة ليبية مستقبلية.
 
وكان رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، قد قال في لقائه مع السراج أول أمس “إنني على ثقة من أنني سوف ألتقي بصورة مباشرة المشير حفتر قريبا”، في سياق البحث عن حل لوقف المواجهات حول طرابلس.
 
وتحيط قوات حفتر بطرابلس من الغرب والجنوب والجنوب الشرقي، ولديها تمركزات قوية في الضاحية الجنوبية، ما يسمح له بالتفاوض من منطلق قوة لدخول العاصمة بغير قتال.

وتكابد حكومة الوفاق لتحقيق أي “نصر” يمكن أن يحافظ على تماسك الميليشيات المحيطة بها، وهي ميليشيات متناقضة الأهداف والانتماء المناطقي والقبلي. كما أن هذه الميليشيات، وفي حالة استمرار الوضع بشكل ضبابي، ستبحث عن الخلاص الفردي بعقد صفقات منفصلة وعبر وسطاء قبليين مع قوات حفتر، ما يساعدها على القفز من مركب “الوفاق” قبل غرقه.

وفيما ظهرت دعوات من دول مثل فرنسا وروسيا وألمانيا تحث على وقف فوري للحرب وتجديد مسار التفاوض، فإن شخصيات من حكومة الوفاق ترفض ذلك بشكل بات، متمسكة بانسحاب قوات حفتر إلى مواقعها الأولى بالشرق قبل أي تفاوض، وهو ما يعني سد السبل أمام أي اتفاق لوقف إراقة الدماء.

وحذر مهند يونس، الناطق باسم حكومة الوفاق، من نتائج الدعوة إلى وقف إطلاق النار على تماسك الجبهة التي تحيط بالسراج، وهي جبهة تقوم على التناقضات أكثر من نقاط التوافق.

وقال يونس إن “الحكومة تراقب عن قرب بعض الدعوات المشبوهة إلى وقف إطلاق النار، والتي تطلقها جهات هدفها ضرب قواتنا في الجبهات من الخلف”.

وتمتلك قوات حفتر وضعا أفضل في ظل المكاسب النوعية التي حققتها خلال عملية استعادة طرابلس التي أطلقت منذ شهر.

ويمكن للمشير حفتر الاكتفاء بما حققه، وتقوية دفاعاته حول العاصمة، وقطع الطريق الساحلي الاستراتيجي نحو تونس، وبدء مفاوضات لفرض شروطه على حكومة الوفاق التي كشفت المعارك الأخيرة أنها باتت تحت نفوذ الميليشيات، كما أنها تفتقد للدعم الخارجي، خاصة من الدول الكبرى التي باتت تؤمن بأن رهان حفتر أهم وأكثر جدوى لأنه سيقود إلى تفكيك المجاميع الإرهابية التي تسيطر على طرابلس وتهدد الأمن المحلي والإقليمي.

ومنذ هجوم الجيش الوطني لاستعادة طرابلس، خسرت حكومة الوفاق مساحات من الأراضي ومن الموارد البشرية والمادية، وعلى رأسها مدينتا صبراتة (70 كلم غرب طرابلس) وصرمان (60 كلم غرب طرابلس) على الطريق الساحلي الرابط بين العاصمة الليبية والحدود التونسية، التي تمثل الطريق الرئيسية لتنقل الأشخاص والبضائع نحو العالم الخارجي بالمنطقة الغربية.

وفي ظل سيطرته على صرمان وصبراتة، أصبح الطريق الدولي نحو تونس مقطوعا أو على الأقل تحت رحمة حفتر، وبالتالي فقدت الوفاق شريانا حقيقيا لاقتصادها المنهك، وحيويا بالنسبة إلى تنقل الأفراد سواء للعلاج أو السياحة، خاصة وأن مطار معيتيقة (الوحيد الذي يشتغل في طرابلس) صغير الحجم، ومحدود الخطوط، ويتعرض من حين إلى آخر لقصف جوي لطيران الجيش الوطني.

كما أن منطقة زوارة (موالية لحكومة الوفاق/ 100 كلم غرب طرابلس) والمسيطرة على معبر راس جدير البري مع تونس، أصبحت معزولة عن طرابلس، بل ومهددة مستقبلا بهجوم من قوات الجيش التي تحاصرها من الجهة الشرقية والجنوبية، فضلا عن أن قاعدة الوطية الجوية (تابعة للجيش الوطني)، لا تبعد عن زوارة سوى أقل من 100 كلم.

أما الطريق الجنوبي الرابط بين طرابلس ومعبر “وازن- الذهيبة” مع تونس (ثاني أهم معبر حدودي مع تونس) فأصبح هو الآخر مقطوعا، بعد سيطرة قوات الجيش على غريان (مركز مدن جبل نفوسة) والبلدات المحيطة بها، مما يعني أن بلدات الجبل الموالية للوفاق (مثل نالوت ويفرن وكاباو) أصبحت هي الأخرى شبه معزولة عن المركز.

وفي هذا الوضع، ليس من مصلحة حكومة الوفاق وقف إطلاق النار، في ظل تطويقها من جهتين على الأقل، وقطع أهم شريان بري لديها نحو العالم الخارجي، وتقطيع أوصالها مع بلدات موالية لها على الساحل الغربي أو في الجبل، لأن ذلك يعني التضييق على سكان العاصمة والمدن القريبة منها.

وتقول وسائل إعلام موالية لحكومة الوفاق إن أي مفاوضات في ظل هذا الوضع لن تكون بأي شكل من الأشكال في مصلحتها، لذلك هناك إصرار على رفض إجراء أي مفاوضات أو وقف لإطلاق النار قبل عودة قوات الجيش إلى قواعدها.