لم يكن إعلان المرشح طه ناجي الانسحاب من المعركة الفرعية في طرابلس إلّا نتيجة مباشرة للمصالحة التي استضافها الرئيس فؤاد السنيورة في منزله، وطَوت خلافاً دام 3 سنوات بين الرئيس سعد الحريري وابن الحريرية السياسية اللواء أشرف ريفي.
 

واذا كانت المصالحة المفاجئة بين الحريري وريفي التي أحيطت بكتمان حتى اللحظات الاخيرة قد غيّرت المشهد الانتخابي والسياسي في طرابلس، تماماً كما غيّرت الأجندات والرهانات، فإنّ أثرها المباشر كان التريّث لدى فريق 8 آذار الذي استعد منذ اللحظة الاولى لإعلان ترشيح ناجي فور إعلان ترشيح ريفي نفسه.

الأسباب متعددة ابرزها من الناحية الحسابية أنّ مرشّح 8 آذار، الذي يملك بلوك أصوات لا يزيد ولا ينقص هو عبارة عن مجموع اصوات النائب فيصل كرامي و«الحزب العربي الديموقراطي» و«الاحباش» والمجنسين، كان مقدّراً له ان يستفيد من المعركة بين ريفي وتيار «المستقبل»، لمحاولة الاختراق اذا ما تعادل الطرفان، ومن دون ترشح ريفي، فلن يكون هناك أمل لمرشح 8 آذار.

لا بل انّ هذا المرشح لن يستطيع نيل ما يتجاوز 20 في المئة من الاصوات، وهي نسبة لا تعكس حضوراً فاعلاً ومؤثراً، وستؤدي الى انكشاف سياسي لهذا الفريق في طرابلس.

ما جرى قبل المصالحة التي رعاها السنيورة، كان أشبه بالكرنفال السياسي. فقد زار ريفي النائب فيصل كرامي، لتفتح ابواب الجحيم على ريفي، حيث ذهبت التحليلات الى حد تصوّر وجود تواطؤ انتخابي بين ريفي و8 آذار.

لكن في الوقت الذي كانت الزيارة الاجتماعية تلقى هذا الصدى السلبي، كان التحضير للمصالحة قد قطع شوطاً كبيراً، وأتى على شكل مفاجأة لفريق 8 آذار الذي تصوّر انّ ريفي قابل أن يتحالف معه تحت الطاولة، لكنّ الحقيقة كانت في مكان آخر.

كانت المصالحة وليدة هذا المناخ، فقد علم ريفي انّ فريق 8 آذار ينتظر ترشحه ليدخل الى المعركة، أي انّ هذا الفريق اعتبر انّ المدخل الى معركته في طرابلس هو التنافس بين ريفي و«المستقبل»، ولهذا اتخذ ريفي قراره بالمصالحة بلا أثمان ولا شروط، وكان اللقاء عند السنيورة.

ما سبق هذه المصالحة اصطفاف الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي الى جانب الحريري، وهذا الاصطفاف لم يكن كافياً لتأكيد فوز جمالي. فميقاتي اتخذ القرار بالدعم، لكن من دون وجود القدرة والحوافز على تحريك ماكينته الانتخابية، وكان من الصعب عليه أن يقنع الطرابلسيين بأنّ معركة جمالي هي معركة ميقاتي، كما أنّ اسباباً أخرى كانت ستؤدي الى تصعيب معركة جمالي.

في المقابل كان ريفي قبل المصالحة قد حَرّك ماكينته الانتخابية، وحدّد موعد إعلان ترشحه بناء على استطلاعات موثوقة بإمكان تحقيق الفوز، وذلك على رغم من صعوبة المعركة، وقدرة تيار «المستقبل» على تحريك كتلته الانتخابية الكبيرة لدعم جمالي.

ما جرى في النهاية هو فوز الأولويات الوطنية على حسابات الربح والخسارة، وستكون معركة «المستقبل» بعد انسحاب مرشح 8 آذار رَفع نسبة التصويت، واستعادة الثقة من خلال المصالحة وتوحيد الصف السياسي، والأهم إقناع الناخب الطرابلسي بحتمية تحقيق خطة إنماء المدينة بعيداً عن الوعود الفضفاضة.

امّا ريفي، الذي يستقبل اليوم الأمين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري، فسيدعو الى التصويت في هذه المعركة كأنه هو المرشّح، وفق معادلة استعادة وحدة الصف، وسيعطي لإنماء طرابلس الاولوية القصوى من خلال الدعوة الى تسريع استكمال المشاريع المخصصة لها ومتابعتها، وحل معضلة البنية التحتية والكهرباء والنفايات، وكل هذه الملفات سيُستَكمل البحث فيها خلال اللقاء الثاني المرتقب مع الرئيس سعد الحريري.