إمساك العصا من المنتصف لا يجنب حكومة عادل عبدالمهدي غضب إدارة ترامب.
 
يعمل الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارته المطولة للعراق على جر الحكومة العراقية إلى ساحة المواجهة مع الولايات المتحدة من خلال دفعها إلى اتفاقيات اقتصادية وتجارية تتحدى العقوبات المشددة التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
 
في المقابل، تحاول الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي إمساك العصا من المنتصف وعدم إغضاب الخصمين المتنازعين الولايات المتحدة وإيران.
 
وتقول مصادر سياسية في بغداد إن الاهتمام الإيراني الكبير بالعراق خلال الآونة الأخيرة، يجسد حقيقة أن هذا البلد هو البوابة الأخيرة لطهران التي تخضع لعقوبات أميركية قاسية، جراء ملفها النووي وأنشطتها في المنطقة.
 
وقال روحاني، خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس العراقي برهم صالح، “إننا نشعر في العراق أنه وطننا الثاني والعلاقات بيننا دينية وتاريخية وإقليمية ولن نستغني عن هذه العلاقات ونريد تطويرها أكثر”. وأردف أن “هناك مجالات واسعة وشاسعة للتعاون المشترك، وهذه المجالات تجارية واستثمارية وإقامة مناطق حرة وأسواق مشتركة”.
 
وتابع “كذلك التعاون في مجال السياحة، والنفط والغاز والبترول، والعمل المصرفي والخدمي والفني ومنها إنشاء الممرات المائية”.
 
وتحاول إيران من خلال هذه الزيارة أن تحرج العراق وتدفع قيادته السياسية إلى إبداء موقفها من العقوبات بشكل علني، وهي تعلم أن خرق هذه العقوبات يتم عمليا عبر وكلائها المحليين من الميليشيات، وأن ضغوطها قادرة على تحويل الدفة في البرلمان العراقي لفائدتها، خاصة مع تتالي الدعوات إلى سن قانون يطالب القوات الأميركية بالانسحاب من العراق.
 
وتتخذ إيران، وحلفاؤها في العراق، من القرار المؤجل في البرلمان ورقة ضغط تخير من خلالها واشنطن بين العقوبات أو سحب قواتها من مواقع تمركزها في العراق بما في ذلك وجودها في المناطق الكردية شمالا.
 
وجاء الرئيس الإيراني إلى بغداد على رأس وفد حكومي كبير، ليطمئن على موقف العراق من العقوبات الأميركية على جارته الشرقية، التي يبدو أنها تقاسي ضغوطا اقتصادية حرجة.
 
وقبل أسابيع كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمضى بضعة أيام متجولا بين عدة مدن عراقية، ليلتقي مسؤولين محليين وشيوخ قبائل ورجال دين، في إشارة إلى استعداد بلاده للانفتاح على جميع التنوعات العراقية.
 
ويعتقد الرئيس الإيراني أن “العلاقة بین إیران والعراق لا یمكن مقارنتها بدولة محتلة مثل الولایات المتحدة”، مشيرا إلى أن الأميركيين “یبحثون عن إثارة الإیرانوفوبیا، وهم یبحثون دائما عن الخلافات والانقسامات بین دول المنطقة”.
 
لكن محللين سياسيين يشيرون إلى أن بغداد لا تشارك طهران الرغبة في التصعيد مع واشنطن، وإن كان المسؤولون العراقيون واقعين تحت سطوة الميليشيات الحليفة لطهران من جهة وبين تحذيرات أميركية قد تتحول إلى عقوبات من جهة ثانية.

وأشار المحلل الاقتصادي مازن الأشيقر إلى أن ”العراق ضعيف اقتصاديا لذلك يستجدي ويحتاج العلاقات الاقتصادية مع كل دول الجوار، ولديه اتكال على إيران”، لافتا “نحن نستورد كل شيء من إيران ولا نصدر لها”.

وتابع “العراق يحتاج أن يمسك العصا من الوسط ولا يمكنه أن يكون ضمن محاور محددة ولا يمكن أن يقول أنا مع أميركا ضد إيران أو مع إيران ضد أميركا”.

وإذا كانت العلاقة متينة ومتداخلة مع إيران التي سمح لها غزو 2003 بأن تكون لوحدها اللاعب الإقليمي في العراق، فإن حكومة عادل عبدالمهدي يظهر لها الأمر أكثر تعقيدا كونها تدير العلاقات الدولية وتبحث عن انفتاح يخرج العراق من أزماته ويخلّصه من نفوذ الميليشيات، ولن تجد بوابة لذلك سوى بالحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن وحلفائها في المنطقة.

وتتلقى بغداد وعودا كبيرة بالاستثمارات والمشاريع من دول خليجية، وخاصة من السعودية، لكن ذلك لن يحصل إذا اختارت حكومة عبدالمهدي الولاء لطهران واحتفظت بنفوذ الميليشيات.

ولا يقف الشعور بالحرج عند حكومة عادل عبدالمهدي، فالإيرانيون أنفسهم تشقهم خلافات بشأن الطريقة التي يتم بها توظيف العراق في مواجهة واشنطن، إذ يعمل كل من روحاني وظريف على “حماية العلاقة الإيرانية بالعراق، بوصفها النافذة الأخيرة أمام طهران، للتنفس اقتصاديا تحت ضغط العقوبات الأميركية”، من تهور الحرس الثوري، الذي يمضي نحو التصعيد مع الولايات المتحدة.

ويخشى الرئيس الإيراني ووزير خارجيته من أن يحرك الحرس الثوري أذرعه المسلحة ضد الوجود الأميركي على الأراضي العراقية، ما يضع بغداد كليا تحت السيطرة الأميركية، وربما يؤدي إلى إغلاق الحدود والأجواء بين العراق وإيران.

وتقول أوساط عراقية مطلعة إن “الولايات المتحدة ستستغل أي خطأ إيراني في العراق، لعزل طهران كليا”. ومن شأن هذا التطور أن يعقد الأزمة الاقتصادية التي تضغط على إيران، ما قد يطيح بالرئيس الإيراني وحكومته.

ويواجه روحاني منافسا إيرانيا شرسا في هذا الملف، هو قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الذي لا يحتاج أن يبرز جواز سفره في المطارات العراقية، بناء على ما كشف عنه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي شخصيا، ما يشرح نفوذه الكبير في هذا البلد.

وتقول مصادر “العرب” في بغداد، إن “سليماني يقضي أكثر أيام السنة في العراق وليس في إيران، متنقلا بين أروقة الكتل السياسية والأحزاب والوزارات ومواقع انتشار قوات الحشد الشعبي وغيرها”.

وتضيف أن روحاني لن يمكنه منافسة سليماني على النفوذ في العراق، لكنه سيحاول العمل مع المسؤولين في بغداد، على تعزيز الشراكة التجارية بين البلدين خلال المرحلة الحالية.