يعرض مسرح في موسكو اقتباساً جريئاً لأشهر أعمال لويس كارول تشبه فيه "بلاد العجائب" كثيراً روسيا اليوم، رغم الرقابة المتزايدة على الأوساط الثقافية، وتبدأ المسرحية الغنائية الاستعراضية في قاعة محكمة تمثل أمامها أليس. فبعد فرارها من السّجن بمساعدة الأرنب الأبيض، تمر بمناطق تزخر بالإشارات إلى المجتمع الروسي الحالي.
 
أما اليسروع الذي ينصح أليس في العمل العائد إلى العام 1865، فيوقف الشابة في المسرحية طالباً منها أرواقها الثبوتية في انتقاد مبطن لنظام تشله البيروقراطية المفرطة في روسيا.
 
وتعرض مسرحية "أركضي أليس أركضي" على مسرح تاغانكا في موسكو، وهي من الأعمال الجريئة في العاصمة الروسية التي تشهد موجة من المسرحيات المعاصرة المفعمة بالسياسة رغم ضغوط السلطات المتزايدة بتأثير أحيانا من الأوساط المحافظة والدينية.
 
من جهته، يقول مخرج المسرحية ماكسيم ديدينكو أنّه "من الصّعب العيش في روسيا إن لم يملك المرء حسّ السخرية، فإن أخذنا كل شيء على محمل الجد يمكن أن نصاب بالجنون".
 

وولد ديدينكو (38 عاما) في عائلة ممثلين ومدراء مسرح وهو من أبرز المخرجين راهناً في روسيا، واستعاد الكثير من الكلاسيكيات السوفياتية ومن بينها مسرحيات غنائية استعراضية تعج بالأزياء والفكاهة والقراءات السياسية أحياناً.

ولا يخفي ديدينكو أنّ اقتباسه للعمل "يشكّل ردة فعل على توقيف المخرج كيريل سريبرينيكوف الذي شكل صدمة عميقة في أوساط المسرح قبل سنتين".

ويقول ديدينكو الذي حضر جلسات المحاكمة تضامناً مع زميله أنّ "المخرج حول كليا وجه المسرح في روسيا"، مشيراً إلى أنّه يهدف "إلى عكس واقع روسيا الراهن في مسرحياته".

أما في مسرحية "السيرك" فيستعيد ديدينكو فيلماً للدعاية السوفياتية الذي عرض عام 1936، اذ تقع فيه أميركية ضحية العنصرية في الغرب لأنها أنجبت طفلا أسود، وتستقبل بالترحاب عند انتقالها إلى موسكو.

ويوضح ديدينكو أنّ "الفيلم كان المفضل لستالين، حيث كان يشاهده باستمرار"، مشيراً إلى أنّ هذه القصة "تلقى صدى اليوم بسبب ما يصفه بأنه بين الرؤية الدعائية للأمور والمعلومات الفعلية التي نسمعها جميعا يومياً عن الوضع في روسيا". ويقر ديدينكو بأنّه "يتجنب مواضيع مثل الدين الحساس جداً نظراً إلى القوانين الروسية الأخيرة التي تعاقب على إهانة المؤمنين".

 

وكان ديدينكو وضع في الإقامة الجبرية منذ آب 2017، ويحاكم راهناً بتهمة اختلاس أموال عامة، نافياً أن يكون أقدم على ذلك.

كما يعتبر مؤيدوه أنّه يدفع ثمن حرية الإبداع التي يتحلى بها والمسرحيات الجريئة أحياناً التي تجمع بين السياسة والجنس والدين في بلد تدفع فيه السلطات باتجاه عودة قوية للقيم التقليدية والمحافظة.

ويعرف بوريس مزدريتش الثمن الذي يدفعه المرء عندما تعتبر السلطات أنه تجاوز الحدود. ففي العام 2015 طرد من مسرحٍ عام في نوفوسيبيرسك في سيبيريا بعد شكاوى تقدم بها مسؤولون في الكنيسة الأرثوذكسية بعدما حضروا نسخته من أوبرا لفاغنر. وهذه النسخة التي تنقل الأحداث إلى القرن الحادي والعشرين جعلت المسيح شخصية في فيلم إباحي مصور مع الفارس تاهاوزر.

وعجز المخرج عن إيجاد عمل مدة ثلاث سنوات ونصف السنة وقد عين قبل فترة قصيرة مديرا لمسرح "براكتيكا" المعاصر في موسكو.

ويوضح "نحن مدراء المسارح ووزارة الثقافة ننطق بلغة مختلفة"، مضيفاً أنّ "قضية سريبرينيكوف أرغمت المخرجين المسرحيين على التفكير مليا في عملهم". ويرى أنّ "الخطر الجديد يتأتى خصوصاً من تطلعات السلطات على صعيد بيع البطاقات ومنحها العقود عبر استدراج عروض، وهو أمر إيجابي للاقتصاد وليس للمسرح".

من جهتها، تشير الممثلة مارينا بروسنكينا إلى أنّ "الكثير من الشباب يبدؤون في المناطق حيث يمكنهم قول ما يشاؤون، وثمة فرص فعلية في هذا العالم النابض بالحياة".

وقد تكون قضية كيريل سريبرينيكوف لجمت بعض الشيء من حماسة المخرجين لكنّ الفرص المتاحة لم تكن يوماً بهذا الكم في المسرح الروسي المعاصر، لكن سريبرينيكوف تقول أنّه "ثمة إيديولوجية استبدادية في الأجواء نوعا ما، لكننا شهدنا أسوا من ذلك".