رغم أن حزب الله تفاعل مع خبر حظره بجناحيه العسكري والسياسي واعتباره منظمة إرهابية من قبل بريطانيا، بطريقة حاول من خلالها إبراز لامبالاته بالمسألة في محاولة لخفت حدة هذا الملف الجديد الذي سيزيد في خنقه وحصر نفوذه في المنطقة، فإن جل القراءات والتحاليل السياسية تشير إلى أن خطوة لندن قد تكون لبنة أولى ستحفز بقية العواصم الأوروبية أو الدولية الفاعلة في قضايا منطقة الشرق الأوسط لاتخاذ نفس القرار الذي ستكون له أيضا تداعيات على الداخل اللبناني بما أنّ الحزب الموالي لطهران يسيطر بشكل لافت على الفريق الحكومي في لبنان.
 

في الوقت الذي حاول فيه حزب الله اللبناني تجديد استعراض قوته موظفّا ما يعتبره تحقيق نصر أنجزه النظام السوري سيزيد في تعميق نفوذه في منطقة الشرق الأوسط أو مراهنا على سيطرته على الفريق الحكومي الذي يديره سعد الحريري، تلقى الحزب الموالي لإيران ضربة موجعة بعدما صنفته بريطانيا بجناحيه العسكري والسياسي منظمة إرهابية.

ولم يفصح حزب الله بصفة رسمية عن تفاعله مع المسألة، إلا أن العديد من المراجع السياسية والإعلامية أكدت أن قيادة الحزب تنتهج سياسة الصمت للتقليل من حجم الملف معتبرة أن قرار لندن لن يؤثر على العلاقات مع بريطانيا لأن العلاقات مقطوعة أصلاً منذ سنوات طويلة وهناك مقاطعة متبادلة لأي نشاط أو اتصال.

تطور مواقف لندن
لكن قرار الحكومة البريطانية تصنيف حزب الله على لوائح الإرهاب يعتبر تطورا غير مسبوق في مسألة تعامل لندن مع الحزب، ويطرح أسئلة حول مستقبل المقاربة الأوروبية للأمر من معاملة الجناح السياسي معاملة مختلفة عن الجناح العسكري للحزب.

وأعلنت لندن، الاثنين، أنها تعتزم حظر كل أجنحة جماعة حزب الله اللبنانية بسبب تأثيرها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، ووصفتها بأنها منظمة إرهابية. ويأتي قرار ضم الجناح السياسي للحزب إلى لوائح الإرهاب بعد أن حظرت الحكومة البريطانية وحدة الأمن الخارجي للجماعة عام 2001 وجناحها العسكري عام 2008.

ويرى مراقبون أنه وعلى عكس ما يحاول ترويجه حزب الله فإن القرار البريطاني ستكون له تداعيات وخيمة، خاصة أنه سيقلم مخالب الحزب وسيزيد في خنقه وخنق أذرعه المنتشرة في أوروبا والعالم والتي لها نصيب كبير من الدعم المالي لهياكل وأجنحة الحزب.

تصنيف حزب الله على لوائح الارهاب يفتح أيضا سجلات الماضي والقضايا المتورط فيها الحزب وفي مقدمتمها ملف اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري

ويعني الحظر البريطاني الذي يسري الجمعة، إذا وافق عليه البرلمان، أن الانتماء للجماعة أو التشجيع على دعمها سيكون تهمة جنائية قد تصل عقوبتها إلى السجن عشر سنوات.

أما الخطوة الأهم والتي ستتحدّد معالمها إن تفاعلت العواصم الأوروبية والدولية مع هذه الخطوة ونسجت على نفس المنوال، فستكون حتما متعلّقة بمزيد حصر طهران في الزاوية خاصة أن حزب الله يعد من أهم الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة وله دور كبير في زعزعة أمن واستقرار الشرق الأوسط.

كما أن القرار البريطاني، سيفتح أيضا وفق العديد من الملاحظين سجلات الماضي والقضايا المتورّط فيها حزب الله رفقة النظام السوري ألا وهي عملية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير عام 2005.

وسيكرس قرار لندن، الذي يخضع لتصويت مجلس العموم، سابقة ستعتمد في علاقة عواصم العالم مع حزب الله، كما أنه سيعيد الملف للنقاش على الطاولة الأوروبية في البعدين الأمني والسياسي.

وقال وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد إن “حزب الله مستمر في محاولات زعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط، ولم نعد قادرين على التفريق بين جناحه العسكري المحظور بالفعل وبين الحزب السياسي”. وأضاف في بيان “لذلك، اتخذت قرار حظر الجماعة بأكملها”.

ويندرج القرار الذي أعلن عنه جاويد ضمن الصراع الداخلي الراهن بين حزب المحافظين الحاكم بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي وحزب العمال بزعامة جيريمي كوربين المعارض.

ونشرت صحيفة التايمز موضوعا لكل من ريتشارد فورد مراسل الشؤون الداخلية وكايت ديفلين بعنوان “حظر الجناح السياسي لحزب الله يسلط الضوء على كوربين”.

وتقول الصحيفة إن قرار وزير الداخلية البريطاني إدراج الجناح السياسي لحزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية يهدف إلى تسليط الضوء على تعاطف جيريمي كوربين مع الجماعات المعادية لإسرائيل حيث كانت بريطانيا تفرق بين الجناح المسلح والجناح السياسي للحزب.

مواقف أوروبا لم تتغير بشأن الجناح العسكري لحزب الله
مواقف أوروبا لم تتغير بشأن الجناح العسكري لحزب الله
وكان وزير الداخلية البريطاني قد قال في معرض تبريره للقرار إن “حزب الله يواصل جهوده لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونحن لم نعد قادرين على التمييز بين جناحه المسلح المحظور بالفعل وجناحه السياسي”.

وإذا ما أقر البرلمان قرار الحكومة البريطانية وحصل على الموافقة في مجلس العموم ومجلس اللوردات، فستصبح عضوية حزب الله جريمة ضد القانون البريطاني بدءا من الجمعة لتصل عقوبتها القصوى إلى السجن 10 سنوات.

وفي علاقة بمسألة تأثر المحيط الأوروبي بقرار لندن، قال مراقبون إنه لن يكون منطقيا أن تعتبر بريطانيا أن حزب الله تنظيما إرهابيا يمثل خطرا على بريطانيا فيما لا يكون كذلك بالنسبة لباقي الدول الأوروبية، خصوصا أن الاتحاد الأوروبي يملك رؤية موحدة بشأن الحرب في سوريا التي حمّلت لندن حزب الله مسؤولية تفاقم مأساتها.

وفي هذا الصدد، قال جاويد إن الجماعة تواصل حشد الأسلحة في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي في حين تسبب دعمها للرئيس السوري بشار الأسد في إطالة أمد “الصراع والقمع الوحشي والعنيف للشعب السوري من جانب النظام”.

مواقف أوروبية تتشكل
أما باريس فقد أكدت على موقف آخر من خلال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال، الاثنين، إن فرنسا لن تضع أي حزب لبناني ممثل في الحكومة على قوائم الإرهاب، مضيفا “باريس تعتبر الجناح العسكري لـ’حزب الله’ تنظيما إرهابيا، لكنها تتحاور مع الجناح السياسي الممثل في البرلمان”. من جهتها أكدت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، بعد لقائها وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل، الاثنين، في بيروت أن موقف الاتحاد الأوروبي لم يتغير وهو إدراج الجناح العسكري لحزب الله وليس السياسي ضمن لائحة الإرهاب.

وأضافت موغيريني “أن القرار الذي أعلنه وزير الداخلية البريطاني هو قرار وطني لدولة ما تزال عضوا في الاتحاد الأوروبي، لكنه داخلي ولا يؤثر على موقف الاتحاد الأوروبي المعروف والذي يبقى من دون تغيير، وهو إدراج الجناح العسكري وليس الجناح السياسي لحزب الله ضمن لائحة الإرهاب”.

الواضح أن القرار البريطاني قد قلب الطاولة وأثار ارتباكا داخل الكثير من العواصم بما في ذلك بيروت. ويسيطر حزب الله حاليا على ثلاث وزارات من 30 وزارة في الحكومة اللبنانية، وهو أكبر عدد من الوزارات يتولاه على الإطلاق.

تداعيات داخلية
يرجح العديد من المتابعين أن القرار البريطاني سيلقي حتما بظلاله على الداخل اللبناني خاصة أن حزب الله يسيطر على ثلاث وزارات كانت واشنطن قد أعربت عن مخاوفها منذ توليه تلك الحقائب، وتحديدا في علاقة بوزارة الصحة التي يتقلدّها جميل جبق مرجحة أن حزب الله سيحوّلها إلى غرفة خلفية لتمويل أنشطته الإرهابية المزعزعة لاستقرار المنطقة.

وفيما عجّلت الحكومة البريطانية بطمأنة الحكومة اللبنانية إلى أن القرار المتعلق بحزب الله لا ينال من طبيعة الدعم البريطاني للبنان وحكومته، فإن مصادر دبلوماسية في العاصمة اللبنانية رأت أن موقف بريطانيا يمثل واجهة أولى لموقف دولي مقبل في شأن الحزب، يعزز الموقف الأميركي الذي أعلنته السفيرة الأميركية في بيروت من على باب السراي الحكومي بعد لقائها الأسبوع الماضي مع رئيس الحكومة سعد الحريري.

جاويد: حزب الله مستمر في محاولات زعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط 
ساجد جاويد: حزب الله مستمر في محاولات زعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط 
وقالت السفارة الأميركية الأسبوع الماضي، إن السفيرة إليزابيث ريتشارد أعلنت عقب لقاء الحريري أنها كانت “صريحة جدا.. في ما يتعلق بقلق الولايات المتحدة من دور مجلس الوزراء لتنظيم يواصل الاحتفاظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة”.

وأضافت، دون أن تذكر حزب الله بالاسم، أن هذه الجماعة “تواصل اتخاذ القرارات الأمنية الوطنية الخاصة بها والتي تعرّض البلاد للخطر”، مؤكدة أنها “تواصل خرق سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة من خلال المشاركة في صراع مسلح فيما لا يقل عن ثلاث دول”.

وفي معرض التعليق على القرار البريطاني، قال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، الاثنين، إن ما تردد عن حظر المملكة المتحدة، لحزب الله، هو أمر “يخص بريطانيا وليس لبنان”. ووصف المراقبون موقف الحريري بأنه محاولة للتهرّب من الموقف البريطاني الذي يسبب إحراجاً للائتلاف الحكومي في بيروت.

من جهته قال جبران باسيل، المعروف بقربه من حزب الله، إن الخطوة البريطانية لن يكون لها تأثير سلبي على لبنان وإن لندن أبلغت بيروت بالتزامها بالعلاقات الثنائية.

ودافع في تصريحاته عن الحزب، معتبرا أنه “لو وقف العالم بأجمعه وقال إن المقاومة إرهاب، فهذا لا يجعل منها إرهابا بالنسبة إلى اللبنانيين”.

واستبعد وزير الصحة اللبناني جميل جبق (ممثل كتلة حزب الله النيابية في الحكومة اللبنانية) أن تكون هناك تداعيات للقرار البريطاني. مضيفا أن عمله في وزارة الصحة “خدماتي ولا علاقة له بالعمل السياسي والعسكري الداخلي في حزب الله”.

غير أن مراقبين لشؤون حزب الله أكدوا من ناحية أخرى أن موقف بريطانيا أضاف ملفا جديدا ضد حزب الله، ورأوا أن على الحزب الموالي لطهران أن يقلق من موقف لندن بصفته يمثل أعراضا دولية جديدة تفصل ملف الحزب عن ملف إيران، ناهيك عن أن أي تفاهمات محتملة مع إيران لن تأخذ بعين الاعتبار مستقبل حزب الله ومصالحه في منطقة الشرق الأوسط.