عكست أوّل جلسة عقدتها حكومة «الى العمل» جو الانقسام العميق داخل مجلس الوزراء، بما لا يبشر بأي خير، الأمر الذي كان متوقعاً منذ البداية، لكن المستغرب في هذا الأمرّ هو الموقف الذي صدر عن رئيس الجمهورية في تلك الجلسة والذي يُشكّل خروجاً فاضحاً على الدستور، وعلى ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني لجهة الصلاحيات المعطاة لرئيس الجمهورية، فالدستور والوثيقة اناطا كل الصلاحيات التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً وترك لرئيس الجمهورية صلاحية ترؤس جلسات مجلس الوزراء عندما يحضر من دون ان يكون له أي حق في الاشتراك في التصويت على اي من البنود المدرجة على جدول الأعمال، واقتضت المناقشات الوزارية حولها طرحها على التصويت، لكن ما فعله رئيس الجمهورية في أوّل جلسة عقدها مجلس الوزراء برئاسته عند نقض السياسة التي رسمتها السلطة الاجرائية في بيانها الوزاري وترك له وحده حق تفسير الدستور بحكم كونه اقسم اليمين على حماية الدستور، وهو بذلك يكون ضرب بعرض الحائط كل ما نص عليه الدستور نفسه ونسف كل ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني بالنسبة إلى صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً.

فرئيس الجمهورية عندما ضرب على الطاولة داخل مجلس الوزراء وقال لمجلس الوزراء انه هو المؤتمن على الدستور وهو من يُقرّر ماذا تعني سياسة النأي بالنفس كأنه يقول ان الطائف أصبح وراءنا وان الحكومة مرتهنة لرئيس الجمهورية فهو الذي يشكلها ويرسم سياستها، ويملي عليها ما يجب ان توافق عليه وما يجب ان ترفضه في حين ان وثيقة الوفاق الوطني والدستور الذي لا يزال معمولاً به اناطا هذه الصلاحية بمجلس الوزراء مجتمعاً أي بالحكومة بوصفها السلطة الاجرائية ولم يعط اي حق أو صلاحية لرئيس الجمهورية تتعدّى صلاحية ترؤسه جلسة مجلس الوزراء عندما يحضر وصلاحية عرض أي اقتراح يرغب فيه من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء من دون ان يكون له حق التصويت، ولا حق التفسير والتأويل.

فما حصل اذاً في أوّل جلسة للحكومة يدل على النوايا المبيتة التي اثيرت في الأروقة السياسة، وفي وسائل الإعلام خلال أزمة تأليف الحكومة والتي تهدف إلى الانقلاب على الطائف والعودة إلى ما كان عليه الحال قبل انعقاده وتوصل الفرقاء إلى صيغة تفاهم جديدة بحيث تعطى الصلاحيات التي اناطها دستور ما قبل الطائف برئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً ليصبح هو وحده المسؤول عن رسم وتنفيذ سياسة لبنان الخارجية وليس لأي أحد سواه، فهل المقصود ان يبقى هذا البلد رهينة الأزمات السياسية والانقضاض على الدستور واتفاق الطائف على حساب وحدته الوطنية واستقراره الأمني والسياسي، أم تعاون الجميع فيما بينهم لتعزيز أواصر التعاون بين السلطات تحت سقف اتفاق الطائف وليس على حسابه كما يحصل حالياً.