بات واضحاً للجميع أنّ الرئيس سعد الحريري عبر في أشهر التأليف التسعة، حقولاً من الألغام السياسية، أرادت في جزء منها «تعطيل» اندفاعته نحو مباشرة العمل بما كان أسّس له في مؤتمر «سيدر».
 

لكنه كان خبيراً وحكيماً في تعطيلها، بقدرته على تدوير الزوايا، والاعتصام بحبل الصمت كـ«فنٍّ من فنونِ الكلام»، والمبادرة حيث يجب المبادرة، من دون المسّ بالثوابت، وعلى رأسها «دستور الطائف»، في ظلّ ما طفا على سطح عملية التأليف، من طروحات واجتهادات، أسقطها بـ«ضربة طائف».

«الحريري 2019» يختلف عن الحريري في السنوات الماضية. والكلام له شخصياً وليس فيه أيّ تحليل. بات يتعاطى مع كل ما يواجهه من تحدّيات وحملات، على قاعدة «لكلّ مقام .. مقال». يكون حيث يجب أن يكون. يقول كلمته حيث يجب أن تُقال، ويمضي إلى همّه الأساس في «شدّ عصب الناس» خلف ورشة العمل المنتظَرة، من دون أن يلتفت إلى مَن يثير «التعصّب» بشتى أشكاله المناطقية والطائفية والمذهبية، لتعطيل هذه الورشة، وبوصلته في ذلك «قرف الناس» من السياسة ومصالح أهلها، و«التوق» الذي يعبّرون عنه إلى إعادة إطلاق عجلة العمل والنهوض بواقع البلد الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وإلّا...

يدرك الحريري أنّ طريقه إلى الإنجاز لن تكون معبّدة بالورود، كما كانت طريق التأليف. وهو اليوم، ينظر إلى لبنان بعين المستقبل الذي لا يريده أن يضيع، مرة جديدة، في زواريب «المهاترات السياسية».

يطوي صفحة التأليف، ويمدّ اليدَ لفتح صفحة جديدة تنأى بنفسها عن «المتاريس»، ولعلّ تباشيرَها بدأت تهلّ من اجتماعات لجنة صياغة البيان الوزاري، وما يسودها من وفاق وتوافق، على بنوده، لإقراره سريعاً، والذهاب إلى جلسة الثقة في مجلس النواب، ومن بعدها التركيز على ورشة العمل.

اليوم، عناوين المرحلة إقتصادية بامتياز، وجوهر خطاب الحريري ينطلق من هذه العناوين، إيماناً منه بأنّ أيَّ اشتباك سياسي في هذه المرحلة لا وظيفة له إلّا تعطيل البرنامج الاقتصادي وما يتضمّنه من إصلاحات لـ«تسييل» مقرّرات «سيدر» مشاريع على أرض الواقع، وبالتالي استهداف هذه الفرصة الجدّية التي يعوّل عليها لبنان لـ«الإنقاذ الاقتصادي» وإطلاق مشروع استثماري، أحد أركانه الأساسية هو وقف مزاريب الهدر والفساد، على قاعدة أن «ليس هناك ريشة على رأس أحد»، كما قال الحريري قبل يومين.

بهذا المعنى، مَن يسمع خطاب الحريري في الأيام الماضية يدرك جيداً أنه مستعدٌّ للاشتباك مع أيٍّ كان، من أجل الناس والنأي بورشة العمل المنتظرة عن التعطيل. قالها بالحرف: «مَن يريد أن يقف ويعطل عملية الانتاج فعليه أن يزيح من الطريق واذا لم يفعل فأنا مستمر، ولو اصطدمت بأيٍّ كان»، لكنه في الوقت نفسه، لن يسمح لأحد باستدراجه إلى أيِّ اشتباك سياسي يؤدي إلى التعطيل، وسيقول كلمته «زي ما هيّي» ويمضي إلى هدفه، مصلحة الناس أولاً وأخيراً.

ليس الحريري من هواة السجالات مع أحد. واضح الرؤية يمشي رئيساً لحكومة يريد لها أن تعمل، وتعود باللبنانيين إلى زمن الإنجازات الذي عرفه اللبنانيون مع والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويتملّكهم الحنين إليه، عندما كان «البلد ماشي... والشغل ماشي».