مجدّداً، يضع الرئيس المكلّف سعد الحريري الأمورَ في نصابها الوطني، بعيداً من الطروحات التي تُخفي في طيّاتها أزماتٍ وأزمات، وتطلّ بين الحين والآخر من أجل مكاسب سياسية آنية، لا يبدو أنّ أصحابها يتبصّرون بتداعياتها القريبة والبعيدة.
 
منذ بداية مسار التكليف، والحريري واضح وضوح الشمس، بأنه متمسّك بتأليف حكومة وفاق وطني، تحت سقف الدستور، وليس تحت سقف معايير أو شروط يحدّدها أحد، لمصالح قد تتعارض مع المصلحة الوطنية التي يعتمدها، كمعيار للوصول إلى حكومة تعمل للإنجاز ومعالجة قضايا اللبنانيين، ولا تتحوّل إلى «ساحة للعراك السياسي اليومي»، أو «المناكفات»، كما جاء في بيان «كتلة المستقبل» الأخير.
 
لا حلَّ اليوم إلّا بتأليف الحكومة، وأيُّ دعوات أو طروحات أو تلميحات أو اجتهادات تخالف ذلك فهي تُولد ميتة، وإكرام الميت دفنه، كما فعل الرئيس الحريري بإكرام طروحات واجتهادات «المعايير» و«المهل» و«سحب التكليف» و«حكومة الأكثرية»، ودفنها في مهدها، وكما فعل بتأكيده، بكل صراحة، أنّ حلّ أزمة التأليف الحالية لا يكون باعتذاره ومن ثمّ تكليفه من جديد، لأنه في حال وصل إلى خيار الاعتذار فلن يقبل تكليفه مرة ثانية، لأنّ الأسباب التي كانت تحول دون التأليف في المرة الأولى، ستبقى «زي ما هيّي» في المرة الثانية، وفي ذلك مضيعة للوقت وتذاكٍ على اللبنانيين لن يرضى سعد الحريري أن يكون شريكاً فيه أو شاهد زور عليه.
 
خلاصة القول، إنّ ثبات الرئيس المكلف منذ بداية التكليف على ثوابته في التأليف، وضع الحكومة المنتظرة على سرير الولادة الطبيعية، من دون أن يسمح بأية «عمليات قيصرية» على شاكلة أعراف جديدة ظنّ البعض أنه قادرٌ على إسقاطها على تأليف الحكومات، على قاعدة أنّ الجميع محكوم بالتواضع وتقديم التنازلات، وليس سعد الحريري لوحده الذي قدّم ما لم يقدّمه أحد من تضحيات من أجل إنقاذ البلد، في السنوات الماضية، من التسوية التي سار فيها عكس التيار، إلى قانون الانتخابات الذي ارتضاه من أجل أن يعيد الانتظام إلى الحياة السياسية والنيابية بعد تمديدَين، ولو كان ذلك على حساب تقليص عدد كتلته النيابية، وما بينهما من مواقف اعتاد الحريري أن يغلّب فيها المصلحة الوطنية على مصالحه الخاصة، وليس أخرها موقفه من أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، بعد افتتاح جلسات المرافعات الختامية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
 
اليوم الكلُّ متفائل على قاعدة «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، والأمل بأن تولد الحكومة قريباً، ضمن المهلة التي تحدّث عنها الحريري، وهي المهلة التي دقّت «جرس الإنذار» بأنّ البلاد ما عادت تحتمل ترف المناورات والمغامرات أو اللعب على حافة الهاوية، بقدر ما تحتاج حكومة في أقرب وقت ممكن.
 
في انتظار الحكومة، يُسجَّل للحريري صبره على كل العقد، وثباته على الدستور، وحرصه على بثّ روح الأمل وتعميم نفس الوفاق والتعاون الذي يحتاجه لبنان للنهوض من جديد.