أيام قليلة ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحكومة العتيدة، فإما أن تولد في شهرها التاسع، أو أن يكون ″الحمل كاذبا″، وتذهب كل الآمال التي علقها اللبنانيون على تشكيل حكومة وحدة وطنية تنقذ ما يمكن إنقاذه أدراج الرياح.

رئيس الجمهورية يصرّ بحسب زواره على أن تتشكل الحكومة قبل نهاية الشهر الحالي أو في الايام الأولى من الشهر المقبل على أبعد تقدير، والرئيس سعد الحريري ورّط نفسه بموعد جديد تحت عنوان ″الحسم الحكومي″ الذي بدأت أوساطه تفتش عن تسميات ″تخفيفية″ له، منها ″الحسم الايجابي″ وذلك بهدف عدم دفع الرئيس المكلف الى خيار الاعتذار الذي لا يريده، وإستبداله باللجوء الى تفعيل حكومة تصريف الأعمال على قاعدة ″أهون الشرين″، أما الوزير جبران باسيل فيتحكم بلعبة التأليف، تارة بالتمسك بالثلث المعطل، وتارة أخرى باعطاء الهوية السياسية لممثل اللقاء التشاوري الذي أعلن باسمه النائب فيصل كرامي أمس بأنه ″يقبل بأن يكون من حصة رئيس الجمهورية وليس من كتلته″، وطورا باسترجاع الوزير المسيحي من حصة الحريري واعطائه الوزير السني من حصة رئيس الجمهورية. فضلا عن تبديل الحقائب الذي في حال بدأ العمل بها فإن التركيبة الحكومية برمتها (بحسب مصادر مطلعة) ستنهار مثل حجارة ″الدومينو″.

ما يزال الرئيس المكلف سعد الحريري يكابر ويشيع أجواء تفاؤلية، بينما الواقع تشاؤمي، وقد بدا ذلك واضحا من لقاءات باريس التي جاءت ″لتفسر الماء بعد الجهد بالماء″، فلم تأت بنتائج إيجابية ملموسة، ولو حصل ذلك، لكان الحريري إنتقل من المطار مباشرة الى قصر بعبدا لاصدار المراسيم مع رئيس الجمهورية، لكن يبدو أن الأمور ما تزال تدور في حلقة مفرغة، في ظل تمسك كل فريق بموقفه وبالحصص التي حصل عليها في مسودة الحكومة، بينما لا يزال الوزير جبران باسيل يفتش عن الثلث المعطل، وعن كل ما يعطل تشكيل الحكومة في حال لم يحصل عليه.″

تشير المعلومات الى أن إجتماعات باريس، أظهرت أن الحريري في واد وسائر الأفرقاء في واد آخر، حتى أن الرئيس المكلف لم ينجح في عقد لقاء ثلاثي يضمه الى باسيل والدكتور سمير جعجع، ما يشير الى رفض الأخير التنازل عن أي حقيبة أو تسهيل مهمة باسيل في تبديل الحقائب، وذلك بعد التنازلات التي يعتبر نفسه أنه قدمها بتخليه عن وزير وقبوله بالحقائب التي أسندت الى القوات اللبنانية.

أما الوزير باسيل فتشير مصادر سياسية مطلعة الى أنه يحاول ″تكبير الحجر″، وهو يدرك أن تبديل الحقائب أمر غير وارد في ظل رفض الرئيس نبيه بري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وجعجع التنازل عن حقيبة من حصتهم، وكأنه بذلك يضع شرطا تعجيزيا لكي لا يتخلى عن الثلث المعطل، وتؤكد هذه المصادر أنه في حال نجح الحريري في إقناع الأطراف المعنية في إجراء التبديل في الحقائب، فإن باسيل سيخترع عقدة جديدة قد تكون أصعب، لأن الهدف الأساس لديه هو فقط الحصول على الثلث المعطل الذي يُمكّنه من الامساك بالقرار الحكومي الى جانب الرئيس الحريري وهو أمر يضرب صلاحيات الرئاسة الثالثة ويجعل باسيل شريكا مضاربا للحريري في الحكم.

لا يختلف إثنان على أن الحريري يسعى صادقا الى تشكيل الحكومة لأنه يريد أن يحكم، لكن يريد في الوقت نفسه الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه السياسي بالتمسك بآخر مواقفه، بعد سلسلة تنازلات قدمها على أكثر من صعيد، وهو أيضا يخشى الاعتذار لأن خطوة من هذا النوع من شأنها أن تقلب الأمور رأسا على عقب وأن تؤدي ربما الى تسمية شخصية سنية أخرى، خصوصا أنه كان أعلن سابقا بأنه ″في حال إعتذر عن التكليف فإنه لن يعود″.

تقول أوساط سياسية مطلعة: إن رغبة رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة تقتضي الضغط على باسيل للتخلي عن الثلث المعطل، والتوقف عن إختراع العراقيل بسببه، وما دون ذلك فإن الحكومة ستبقى في ثلاجة الانتظار الى ما شاء الله.