الرئيس السوداني يناقش مع نظيره المصري القضايا المشتركة ويتجاهل أزمته السياسية المعقدة.
 

وجاء الاهتمام الظاهر بملفات إقليمية، وإظهار التفاهم بين القاهرة والخرطوم لإيجاد سبل لحلّ الأزمة المستعصية مع إثيوبيا، كواحد من المواضيع التي تؤكد أن الأمور تمضي بوتيرتها السابقة على مستوى القضايا الثنائية، للإيحاء بأن البشير قوي ويقبض على زمام الحكم تماما، وأن السيسي لا يتدخل في شوؤن السودان الداخلية، ولن يقوم بوساطة بين القوى السودانية.

ويرى بعض المراقبين أن هذه الصيغة تحقق فوائد للطرفين، فقد فهمت دوائر سياسية سودانية من زيارة سامح شكري وزير الخارجية المصري وعباس كامل رئيس جهاز المخابرات، إلى الخرطوم الشهر الماضي، أنها تمثل دعما سياسيا من القاهرة للبشير شخصيا، مع أنها كانت ضمن جدول معلن مسبقا.

وتركت هذه الزيارة إشارات سلبية لدى شريحة كبيرة من السودانيين، اعتقدت أن القاهرة تقف وراء نظام الخرطوم بقوة في وجه المحتجين.

وذكرت مصادر سياسية مصرية لـ”العرب” أن قمة القاهرة بين السيسي والبشير أرادت تعزيز الانطباع بأنها تأتي في سياق لا علاقة له بما يجري في السودان، وهي صيغة تحقق لكل طرف أهدافه، فإذا كانت تشير إلى أن الرئيس البشير “لا يزال قويا ولم تؤثر في حكمه التظاهرات”، فهي تجنب الرئيس السيسي “حرجا متوقعا من قطاعات سودانية ومصرية عريضة، ترى ضرورة نزع الغطاء السياسي عن البشير في الداخل والخارج”.

ويصرّ الرئيس السوداني على أن يكون التعامل الخارجي مع الأزمة الاقتصادية والسياسية في بلاده شبيها بتعامله على المستوى الداخلي، حيث ينتقل من حزب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، بحثا عن دعم مباشر دون اعتبار لحجم الخلافات والتناقضات.

وحلّ البشير ضيفا على القاهرة، بعد حوالي أربعة أيام من زيارة عاجلة للدوحة الثلاثاء الماضي، لم يخرج منها بنتائج مادية واضحة، وعندما ذهب إلى الجهة المقابلة “القاهرة” أخفق في الحصول على دعم ملموس يؤيد نظامه، واكتفى الرئيس المصري بالتركيز على الثوابت المعلنة والخاصة بدعم وحدة واستقرار السودان، وهي مسألة تهم جميع الأطياف في الحكومة والمعارضة.

ويمارس الرئيس السوداني هوايته في توظيف القوى المختلفة لصالحه، وإذا كان هذا التوجه حقق له فوائد من قبل، فإن جدواه حاليا تكاد تكون منعدمة، بدليل الفشل في الحصول على مساعدات حتى الآن، واستمرار التخبط في التعامل مع الأزمة.

ولم يدرك الرئيس البشير أن الحراك الشعبي في بلاده، بصرف النظر عن وجاهته السياسية، لن يحظى بإدانة خارجية، ومع ذلك يريد أن ينتزع اعترافا مباشرا بقوته وشرعيته في قمع التظاهرات والاحتجاجات، وهو ما تخشاه جهات كثيرة مع بلد يمكن أن تنقلب فيه معادلات الحكم والمعارضة في أي لحظة.

وعشية وصول البشير إلى القاهرة، أعلن عدد من الشخصيات السياسية والثقافية في مصر، توقيع عريضة مساندة للتظاهرات في السودان، في إشارة هدفت إلى قطع الطريق على أي مساندة رسمية محتملة من القاهرة للرئيس البشير.

وطالبت أحزاب مصرية الرئيس السيسي بالانحياز إلى الشعب السوداني، والتعبير بقوة عن الالتزام بمبادئ العلاقات التي فرضها التاريخ على الموقف الشعبي المصري تجاه شقيقه السوداني، وحقه في تقرير مصيره وخياره في نظام الحكم، مهما كانت العلاقات الرسمية متينة.

وأشار حلمي شعراوي رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، إلى أن الزيارة “متسقة مع ما تعيشه الحكومة السودانية من توتر وقلق، بسبب الاحتجاجات الشعبية القوية والمتصاعدة، فالبشير يبحث عن كافة سبل الدعم المالي والسياسي، من مختلف القوى الإقليمية، وإن كانت متضاربة”.

وأوضح شعراوي في تصريحات لـ”العرب”، أن الرئيس السوداني يكرر سياساته وتصوراته المعتادة، وهي “اللعب بجميع الأوراق ومحاولة استغلالها لصالحه، ظنا منه أنه يحاول خلق توازن جيو- سياسي يدعم موقفه في الداخل، وهو أمر مستحيل الحدوث في الظروف الحالية التي تنذر بمزيد من الحراك الشعبي، والذي قد تصعب السيطرة عليه”.

وتوقع أن يكون قبول القاهرة بالزيارة في هذا التوقيت حمل دلالة على “جس الرئيس السيسي النبض بشأن إمكانية قيامه بدور الوسيط في الوصول إلى حلول سياسية تنأى بالسودان عن المزيد من التدهور والفوضى”، لكنه استبعد نجاحه في هذه المهمة، لأن “البشير لا يقبل المشورة ولا النصيحة والأزمة ساخنة وباتت مركبة”.

يتعمد النظام السوداني حصر الأزمة في الشق الاقتصادي، ويعمل على تخفيفها من خلال توفير المستلزمات في الأسواق مؤقتا، ويتجاهل البعد السياسي الذي أصبح طاغيا بعد اتساع نطاق التظاهرات، ودخول أحزاب وقيادات كبيرة على خط الاحتجاجات.

وأشار البعض من المتابعين إلى أن فشل جولات البشير الخارجية، سوف يجبره على الالتفات إلى الداخل بشكل أكبر، خاصة أن صمت بعض القوى الدولية لن يطول تحت وقع اشتداد الاحتجاجات، والسعي إلى تنظيمها من جانب أحزاب ونقابات مهنية في السودان، ما يوفر لها زخما جديدا، يجبر نظام الخرطوم على التعامل معها بجدية، والبحث عن حلول واقعية.