جاءت المعلومات عن رسالةٍ تَلقّاها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله من القيادة العُمانية، عبر وزيرها للشؤون الخارجية يوسف بن علوي، بمثابة حجرٍ أُلقي في مستنقع المياه الراكدة. فاللقاء في حدّ ذاته ينطوي على إشارات بالغة الأهمية في ما يتعلق بالقضايا الكبرى في الشرق الأوسط. ولكن، يجدر الانتظار بعض الوقت لاستجلاء النتائج.
 

هناك دور «جريء» تقوم به عُمان حالياً. والأهمّ أنّه يحظى بموافقة وتغطية من القوى الأساسية في الشرق الأوسط، أي المملكة العربية السعودية وسائر منظومة مجلس التعاون الخليجي، قطر، إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

المصادر الديبلوماسية المتابعة تقول، إنّ العنوان الذي يتحرّك العُمانيون في ظلّه حالياً هو الآتي: مع وصول المواجهة الأميركية - الإسرائيلية - العربية مع إيران إلى الذروة، كيف السبيل إلى تحقيق الهدف المطلوب، أي تقليص نفوذ إيران، بأقلّ مقدار ممكن من الخسائر؟

وفي عبارة أخرى، هل يمكن إقناع إيران بوقف تمدّدها في الشرق الأوسط، وخصوصاً العراق وسوريا ولبنان واليمن، وعودتها إلى داخل حدودها، من دون الاضطرار إلى الدخول في مواجهات عسكرية مُكلفة بينها وبين الولايات المتحدة أو الدول العربية أو إسرائيل؟

ووفق معلومات هذه المصادر، فإنّ واشنطن أبلغت الى حلفائها جميعاً في الشرق الأوسط، ولا سيما الخليجيين، في الخريف الفائت، ضرورة أن يسارعوا إلى «ضبضبة» ثلاث ملفات سريعاً، لأنّ المرحلة تقتضي التفرّغ للمواجهة مع طهران، ولأنّ القرار بإعادة إيران إلى داخل حدودها لا تراجع عنه.
والملفات التي نصح الأميركيون بطيِّها هي:

- العلاقة الملتبسة مع قطر.
- الوضع في اليمن.
- المسائل الشائكة التي تسبّب المتاعب للمجموعة الخليجية، على غرار ملف الخاشقجي.

ومن هنا، جاء دور عُمان لإحداث خروقات على ثلاثة محاور: العلاقات العربية - العربية، وتجنّب الصدام الذي ربما بات وشيكاً بين الإيرانيين والولايات المتحدة وإسرائيل، والتحضير لتسويات محتملة في الملف الفلسطيني.

ولذلك، سعى العُمانيون إلى التوسّط بين السعودية وقطر، منذ حزيران 2017، تاريخ حصول الطلاق بين الجانبين. وقد نجحوا من خلال وزير الخارجية السعودية السابق عادل الجبير في ترتيب لقاءات سعودية - قطرية بقيت بعيدة عن الأضواء، لكنها لم تُثمر.

واليوم، تبدو رغبة مشتركة سعودية - قطرية في تجاوز الخلاف، بوساطة عُمان. ولذلك، يقوم بن علوي بجولاته الأخيرة على البلدين والكويت والإمارات والبحرين، بمشاركة الأمين العام لمجلس التعاون، وهو يبدو متفائلاً بالنتائج.

وعلى رغم من أنّ مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في قمة بيروت الاقتصادية العربية، أثارت بعض الحساسيات لدى السعودية وحليفاتها، فإنها تشكّل - من زاوية أُخرى- مبادرة حسن نيّة لإعادة الاندماج القطَري في العمل العربي المشترك، في توقيت حسّاس للجميع.

ولكن، في المقلب الآخر، لا تخسر عُمان شيئاً من رصيدها القوي في إيران، لما بين البلدين من روابط عميقة. فغالبية العُمانيين ليسوا سنّة ولا شيعة، بل هم على مذهب الإباضية. وثمة تماسٌّ جغرافي بين عُمان وإيران من خلال مضيق هرمز، فيما تفصل بينها وبين جاراتها العربيات سلاسل جبلية. ولطالما حظي العُمانيون بثقة الجميع، بسبب التزامهم توازناً دقيقاً في العلاقات داخل المنظومة الخليجية، بين العرب أنفسهم وبينهم وبين الإيرانيين.

في الموازاة، يحتفظ العُمانيون بعلاقة فريدة مع إسرائيل، لا مثيل لها مع أي دولة عربية أخرى. فهي علاقة علنية، ومبنية على دعوات واضحة إلى الاعتراف المُتبادل والسلام والتطبيع. وفي تشرين الأول الفائت، زار رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو سلطنة عُمان والتقى السلطان قابوس. وأعلن العُمانيون تأييدهم حقّ إسرائيل في الوجود ورحّبوا بـ»صفقة القرن». وبعد ذلك، زار بن علوي السلطة الفلسطينية في رام الله. وكل ذلك لا ينعكس توتراً على العلاقات بين عُمان وأي دولة عربية.

وبدا واضحاً، أنّ إسرائيل تحتاج إلى وساطة عُمان في الملف الفلسطيني، مع إعلان الإدارة الأميركية رغبتها في تحريك ملف المفاوضات. كذلك تحتاج إلى إخراج العرب من سرّية العلاقات مع إسرائيل إلى علنيّة الاتصال معها والمجاهرة. وكذلك تحتاج إلى عُمان لإبلاغ رسائلها إلى إيران بـ»التزام حدودها». ومعلوم أنّ كبير مساعدي وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية حسين جابري أنصاري، كان موجوداً في مسقط قبل أيام من زيارة نتنياهو لها.

إذاً، يمكن القول إنّ رسالة بن علوي في لقائه مع الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله تتعلق بالمحاذير الناشئة من التهديدات الإسرائيلية بضرب إيران وحلفائها في لبنان، كما في سوريا، خصوصاً بعد إثارة إسرائيل أزمة الأنفاق الحدودية واحتمال أن تستثمرها لتوجيه ضربات إلى لبنان، ربما تكون مفاعيلها قاتلة.

واللقاء والرسالة يمكن أن يشكّلا تحذيراً رفيعاً من مغبة اللجوء إلى أي مغامرة من شأنها أن تمنح إسرائيل ذريعة لضرب لبنان. فلا أحد يمكن أن يساعد لبنان إذا وضع نفسه بين نارين.

هل ستؤدي الوساطة العُمانية مع «حزب الله» مفاعيلها؟ بعض المتابعين يسارعون إلى القول إنّ من غير المناسب التعويل كثيراً على لقاء نصرالله ـ بن علوي وتضخيم مفاعيله المحتملة. فعُمان، على رغم من أنّها تحظى بالدعم العربي والإقليمي في وساطاتها المختلفة، فإنّها لا تمتلك القدرة على تسويق مبادرة متكاملة وقابلة للحياة. كما أنّ «حزب الله» لا يمكن أن يعمد إلى أي خطوة أو يتّخذ أي قرار من دون التنسيق المباشر مع طهران، لا في المسائل العسكرية والأمنية على الحدود أو في سوريا، ولا حتى في الملفات السياسية الداخلية، ومنها تأليف الحكومة. وعند هذه الحدود يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم.