منصب أمين بغداد يرتبط بمكتب رئيس الوزراء مباشرة ويحظى بتخصيصات مالية استثنائية توفّرها الموازنات السنوية بشكل ثابت.
 
يحتدم الجدل في الأروقة السياسية العراقية، بشأن المرشح لشغل منصب “أمين بغداد”، وهو أعلى سلطة خدمية داخل المركز الحضري للعاصمة العراقية، بالتزامن مع إطلاق نشطاء حملة خلّفت أصداء واسعة، تحت شعار “بغداد للبغداديين”.
 
وخلال الدورات البرلمانية الثلاث الماضية، تنقّل هذا المنصب بين شخصيات حزبية لا ينحدر أي منها من العاصمة العراقية.
 
وبينما يريد زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، إسناد المنصب إلى وزير الشباب السابق، عبدالحسين عبطان، الذي ينحدر من مدينة النجف، يضغط نشطاء لتسمية شخصية بغدادية أمينا لبغداد.
 
وخلال الأسبوع الماضي فاجأ عبطان الملاحظين بتقديم استقالته من عضوية مجلس النواب، في خطوة تمّ ربطها بترشيحه لتولّي منصب أمين بغداد.

وبعدما كانت العاصمة العراقية، التي يعود تأسيسها إلى القرن الثامن ميلاديا وشهدت فصولا هامة من تطوّر الحضارة العربية الإسلامية ومن بينها فصول زاهرة وعامرة بالتطوّر في مختلف المجالات الأدبية والعلمية والفنيّة، حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي تتصدر تصنيفات أجمل وأنظف مدن المنطقة، تحولت منذ 2003 لتنافس على لقب أسوأ مدن العالم على مستوى ظروف المعيشة والخدمات والنظافة.

وعن شعار “بغداد للبغداديين” تقول النائبة السابقة عن التيار المدني، شروق العبايجي، إن “هناك من يعتبره شعارا عنصريا ضد بقية المحافظات”، لكنها توضح أنه “أطلق من قبل مجموعات عديدة كرد فعل على ترشيح شخصيات غير مؤهلة لمنصب أمين بغداد”، مشيرة إلى أن “من أطلق الشعار لا يقصد الإساءة لغير البغداديين ولكنه موقف مرتبط بواقع بغداد الكارثي وما ساهمت به الأحزاب من تدمير لهوية بغداد الحضارية”. وتضيف “ليس من المستغرب أن نجد ردود أفعال كتلك بمواجهة استهانة الأحزاب بكل شيء في سبيل مصالحها”.

ويرتبط منصب أمين بغداد بمكتب رئيس الوزراء مباشرة ويحظى بتخصيصات مالية استثنائية توفّرها الموازنات السنوية بشكل ثابت.

لكن عشرات المليارات التي خصصت لبغداد منذ 2003، لم تنتج سوى خراب شامل على مستوى البنى التحتية ونقص حاد في الخدمات الأساسية.

وليست المعركة على منصب أمين بغداد هي الوحيدة الدائرة حول العاصمة  العراقية وما تدرّه مناصبها من أموال، فقد اُستئنفت مؤخّرا المعركة على منصب محافظ بغداد بين التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بعد حدوث شغور في المنصب إثر حصول المحافظ السابق على مقعد في مجلس النواب.

وأدى الفساد وسوء الإدارة والصراع السياسي، إلى الإضرار بجميع خطط النهوض بالعاصمة. ولم تعد غريبة مشاهدة صور لتحوّل مدخل مبنى أمانة بغداد إلى مكب للنفايات.

وأنفق الأمناء المتعاقبون على المنصب، عشرات الملايين من الدولارات على قطاع المجاري طيلة سنوات لكن الشوارع ظلت تتحول إلى برك خلال مواسم الشتاء.

كما تعاقد هؤلاء الأمناء مع شركات مجهولة لجمع القمامة من الشوارع والساحات لقاء مبالغ طائلة، لكن المزابل مازالت تتكدس في كل مكان منتجة مشاهد بشعة وروائح كريهة.

ويقول الحكيم إن مرشحه عبطان “يمكنه أن يقلب شكل العاصمة العراقية بعد تجربتين ناجحتين في منصب نائب محافظ النجف ثم وزير للشباب والرياضة في الحكومة السابقة”.

وينسب الحكيم لعبطان النجاحات التي تحققت في النجف على مستوى البنى التحتية كما يقول إنه مهندس ملف رفع الحظر عن كرة القدم العراقية للعب المباريات الدولية على أرض العراق عندما تسلم حقيبة الشباب.

ويعتقد زعيم تيّار الحكمة أن مرشحه قادر على “مواجهة حيتان الفساد التي تبدد جميع المخصصات المالية التي ترصدها الموازنة للنهوض بالعاصمة”.

ويرى أن فشل أمناء بغداد السابقين في مهامهم يرتبط بافتقارهم لغطاء سياسي، إذ عادة ما يحرص رئيس الوزراء على تكليف شخصيات ضعيفة سياسيا لا تحميها كتل كبيرة ما يضعها تحت هيمنة الأحزاب التي تربط دعمها لها بحجم المقاولات التي تحال إلى الشركات التابعة لها. ويمكن لشخصية تستند إلى تيار سياسي قوي كالحكمة أن تغير هذا الواقع، وفقا للحكيم.

وقبل أن يصعد نجم عبطان، كان يعمل مسؤولا عن حراسة الموكب الخاص بالحكيم. لكنه على غير عادة ساسة العراق، تمكن من بناء شعبية واضحة في صفوف الشبان العراقيين عندما قاد حملة واسعة لإعمار ملاعب كرة القدم وافتتاح ملاعب أخرى في مناطق لم تعهد تشييد منشآت مماثلة.

ويقول نشطاء إن العاصمة العراقية تستحق مهندسا يتحدر من عائلة بغدادية عراقية ليتمكن من فهم حاجات المدينة الحقيقية.

ويجادل أنصار عبطان وهم كثيرون في وسائل الإعلام وفيسبوك بأن آخر ثلاثة أمناء لبغداد لم يكونوا بغداديين وأن “الفاسدين يعرقلون وصول وزير الرياضة السابق إلى المنصب لخشيتهم من ضربه مصالحهم”.

ويقول السياسي العراقي إبراهيم الصميدعي، إن الذين يشترطون “بغدادية الأمين” لم يقدّموا نموذجا أفضل من عبطان، مشيرا إلى أنه “يمتلك سجل نجاح وشعبية محترمين ويمتلك علاقات جيدة برئيس الحكومة تسهل عليه مهمته”.

وتابع “برغم فتور العلاقة بين الحكيم والجار الشرقي (إيران) فإن علاقة عبطان جيدة بالإيرانيين ما يمنحه توازن قوة مع كل القوى التي هي فوق الدولة العراقية”، في إشارة إلى الميليشيات التي تحصل على مقاولات الخدمات بتهديد السلاح.