نهاية لعبة التوافق غير المعلن بين الولايات المتحدة وإيران على تكامل الأدوار وتقاسم الحصص
 
قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الخميس، إن بلاده لن تسمح للمسؤولين الأميركيين بالتدخل في العلاقات الإيرانية العراقية، كاشفا بذلك عن دخول صراع النفوذ في العراق مرحلة جديدة من التصعيد، بتكثيف الولايات المتحدة لجهودها بهدف فكّ ارتباط بغداد بطهران سياسيا واقتصاديا، فيما يستخدم الإيرانيون كلّ أوراقهم ويحفّزون وكلاءهم العراقيين للحفاظ على امتيازاتهم الكبيرة في العراق.
 
وفي أوضح إشارة إلى اشتداد الصراع، قال ظريف في مؤتمر صحافي عقده في محافظة النجف جنوبي العراق “الأميركيون سيمضون، ونحن نبقى لأننا أهل الأرض، ولدينا أرضية خصبة للتعاون مع العراق”، مضيفا “علاقتنا جيدة مع العراق ولدينا جميع ما يحتاجه الشعب العراقي ونستطيع تزويد السوق وتنمية الاقتصاد”.
 
وجاء كلام ظريف في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على تحصين الشأن السياسي العراقي، أملا في إخراج بغداد من دائرة النفوذ الإيراني، وسط توقعات بأن تتحول الساحة العراقية إلى ملعب لصراع دولي بشأن عدد من الملفات الشائكة في المنطقة.
 
ويقول السياسي العراقي الذي ينحدر من محافظة نينوى أثيل النجيفي إن “تزاحم الوفود على العراق يشير إلى أنه سيكون ساحة الصراع”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة “ستعمل كي لا يبقى العراق ورقة تفاوض بيد إيران”.
 
ومنذ مطلع العام الجاري استقبلت بغداد شخصيات عربية وإقليمية ودولية رفيعة، فيما تتوقع المصادر استمرار هذا الزخم الدولي نحو العراق خلال الشهور القليلة القادمة.
 
وحتى الآن، زار بغداد كل من وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وإيران، فضلا عن العاهل الأردني وقائد قوات حلف شمال الأطلسي.
 
وكشف مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لـ”العرب” أن “الحكومة العراقية تحاول انتهاج مبدأ الحياد في تعاملها مع تطورات الأزمة الأميركية الإيرانية، لكنها تتعرض لضغط كبير من الطرفين الأميركي والإيراني”.
 
وتدرك واشنطن أن ليس بمقدورها دفع عبدالمهدي إلى مواجهة الإيرانيين علنا، بسبب النفوذ الهائل الذي تملكه طهران، على مستوى المؤسسات الرسمية أو الأذرع المسلحة التي تدين لها بالولاء.

ولكن طهران تعرف أيضا أن العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين بغداد وواشنطن في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد، لا يمكن زعزعتها بسهولة.

وبحسب مطلعين على الشأن العراقي “فليس المطلوب أميركيا أن يتم استفزاز إيران في العراق. فذلك ما يمكن أن يضع الحكومة العراقية في مواجهة هي أضعف من أن تتصدى لها”.

ويشرح مراقب سياسي عراقي ذلك بالقول “لأن بقاء الحكومة العراقية ضروري لإضفاء نوع من الشرعية على الوجود العسكري الأميركي، فمن المتوقع أن لا تُزج في الصراع حفاظا على صورتها. غير أن إيران من جهتها، وهي الطرف المستهدف لن يكون الإجراء الأميركي بالنسبة لها مريحا، لذلك ستعمل على دفع الميليشيات التابعة لها، وأكثرها تطرفا مثل عصائب أهل الحق، إلى استعراض قوّتها في الشارع، وهو ما ينذر بوقوع صدام محتمل بينها وبين الجيش العراقي. وذلك أمر ستسعى الحكومة العراقية إلى تفادي الانزلاق إليه في إطار تهدئة سياسية، شعارها تحييد العراق في الصراع الذي ستجد أطراف عديدة أن الدخول فيه سيضر بمصالحها على المدى الطويل”.

ويشرح مراقب سياسي عراقي ذلك بالقول “لأن بقاء الحكومة العراقية ضروري لإضفاء نوع من الشرعية على الوجود العسكري الأميركي، فمن المتوقع أن لا تُزج في الصراع حفاظا على صورتها. غير أن إيران من جهتها، وهي الطرف المستهدف لن يكون الإجراء الأميركي بالنسبة لها مريحا، لذلك ستعمل على دفع الميليشيات التابعة لها، وأكثرها تطرفا مثل عصائب أهل الحق، إلى استعراض قوّتها في الشارع، وهو ما ينذر بوقوع صدام محتمل بينها وبين الجيش العراقي. وذلك أمر ستسعى الحكومة العراقية إلى تفادي الانزلاق إليه في إطار تهدئة سياسية، شعارها تحييد العراق في الصراع الذي ستجد أطراف عديدة أن الدخول فيه سيضر بمصالحها على المدى الطويل”.

ويضيف المراقب السياسي “أما إذا شاءت إيران أن تبدأ الحرب وهو احتمال ضعيف، فإنها ستجعل من العراق ساحة لتلك الحرب. حينها ستلجأ إلى بث الذعر بين أوساط ميليشيات الحشد الشعبي من خلال تقويض علاقتها الواهنة بالحكومة العراقية ودفعها إلى القيام بعمليات استهداف مدبرة للقوات الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى أن تزيد الولايات المتحدة من أعداد جنودها في العراق مطيحة بآمال الحكومة العراقية في النأي بالنفس. وفي ذلك توسيع لدائرة الحرب التي تخطط إيران لأن تشمل المنطقة كلّها بما في ذلك إسرائيل التي صارت تحتاط لمثل ذلك الاحتمال بالنظر إلى ما يمتلكه حزب الله اللبناني من إمكانيات لإطلاق صواريخ، جهّزته بها إيران”.

وواقعيا، يستنتج المراقب العراقي، “فإن الصراع الذي بدأ بين الغرب وإيران على جبهة الإعمار وبالأخص في قطاع الكهرباء قد يتحول إلى جبهات أشد سخونة، فيما لو قررت إيران أن تقف في وجه التحرك الأميركي لفك ارتباط الاقتصاد العراقي بها. ولقد سبق لإيران أن أخلّت بالتزاماتها في ذلك المجال حين قطعت الكهرباء عن أجزاء من العراق بسبب تراكم الديون العراقية. الأمر الذي تجد فيه الحكومة العراقية عنصر تشجيع لعقد اتفاقيات مع شركات أميركية لوضع حلول دائمة لتلك المشكلة”.

وتترجم سياسة رئيس الوزراء العراقي، المرتكزة على تجنب استفزاز كل من طهران وواشنطن حتى الآن، الظروف الغامضة التي أحاطت بصعوده إلى منصبه، فهو ليس حليفا علنيا للولايات المتحدة، وليس خصما للإيرانيين.

وتقول مصادر “العرب” إن “وزير الخارجية الإيراني حمل لدى زيارته إلى بغداد وعودا كبيرة، لجهة مساعدة العراق على حل مشاكله المعقدة، التي يواجهها في قطاع الطاقة”. ويستورد العراق الغاز والكهرباء من إيران لتعزيز شبكته الوطنية، العاجزة عن توفير الطاقة للسكان.

وترهن طهران مساعدتها للعراق في مجال الطاقة بموقف بغداد من العقوبات الأميركية على إيران، وتحثها على التمرد عليها.

ويبدو أن الولايات المتحدة تدرك دقة الموقف العراقي وحراجته، لذلك دفعت بشركة جنرال إلكتريك إلى تقديم عرض مغر للعراق، يقوم على تقديم معدات وخبرات غير محدودة لحل أزمة الكهرباء، مع تسهيلات كبيرة في السداد المالي.

وتؤكد المصادر أن “الولايات المتحدة تتفاوض مع شركات أمنية أميركية وأوروبية لتقديم خدماتها لبعض منشآت الطاقة، التي يُخطط لتشييدها في العراق”.

ومع أن المراقبين يستبعدون أن تتسع دائرة هذا الصراع، وتخرج إلى نطاقات عراقية أوسع، إلا أنهم يحذرون من المزيد من الضغط الأميركي على المصالح الإيرانية في العراق بما يمكن أن يشكل تهديدا وجوديا لحكومة عبدالمهدي.