إيران تخيّر بولندا بين خطوة للتعويض أو إجراءات مقابلة
 

ردت طهران أمس على تحرك وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الخاص بـ«قمة الشرق الأوسط» المقررة حول إيران في بولندا منتصف فبراير (شباط) المقبل، على عدة مستويات، وأعلن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، علي أكبر صالحي، عن بدء خطوات لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، في تحدٍ جديد لتعهدات إيران في الاتفاق النووي. وبالتزامن، أبلغت طهران احتجاجاً رسمياً أمس للقائم بالأعمال البولندي على مشاركة بلاده في استضافة قمة عالمية برعاية الولايات المتحدة تركز على الشرق الأوسط، خصوصاً إيران، وهددت بـ«اتخاذ خطوات مقابلة»، في حال «لم تتخذ خطوة عاجلة لتعويض ذلك».

وقال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي أمس إن إيران بدأت «أنشطة أولية لتصميم» عملية متطورة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة لمفاعلها البحثي الذي يعود تاريخه إلى 50 عاماً في طهران، مما يدعم تقارير جرى تداولها في الأيام الأخيرة بشأن خطة إيرانية للانسحاب من الاتفاق النووي في الذكرى الـ40 للثورة الإيرانية.

كانت الحكومة الإيرانية قد رفضت صحة التقارير عن «مفاجأة يوم ذكرى الثورة» بشأن إعلان الانسحاب من الاتفاق النووي، وعودة التخصيب، إضافة إلى تقارير عن استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف من منصبه.

وقال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية على أكبر صالحي لوكالة هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني إن إيران قد بدأت لأول مرة خطوات أولية لتصميم الوقود المتطور بنسبة 20 في المائة لاستخدامه في مفاعل طهران النووي.
ويعادل إعادة التخصيب على هذا المستوى انسحاب إيران من الاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية في 2015.

وسيكون بعد غد (الأربعاء) الذكرى الثالثة على دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وهو يلزم إيران بحسب القرار 2231 الصادر من مجلس الأمن بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وهذا ما يعني أن إيران قد بدأت الدخول إلى طريق يعارض مسار التزاماتها.

وتقول الحكومة الإيرانية إنها تستخدم المفاعل الذي أهدته الولايات المتحدة في عام 1967 لأغراض «طبية»، ويسمح الاتفاق النووي بحصول إيران على «الوقود المخصب» بنسبة 20 في المائة من روسيا لتشغيل المفاعل، لكنه يمنعها من تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67 لفترة 15 عاماً. ويقول مفتشو الأمم المتحدة حتى الآن إن إيران تواصل الامتثال لشروط الاتفاق.

وبحسب صالحي، فإن «الوقود بنسبة 20 في المائة بمفاعل طهران النووي يختلف عن السابق، ويزيد من كفاءة المفاعل»، مشيراً إلى «تقدم» إيراني في مجال تطوير المفاعلات النووية.

ورأت وكالة «أسوشيتد برس» أن «تصريحات علي أكبر صالحي إلى التلفزيون الحكومي كانت تهدف إلى إخبار العالم بأن إيران سوف تستأنف برنامجها ببطء». وإذا ما اختارت ذلك، فقد تستأنف عمليات التخصيب الشامل في مفاعل التخصيب الرئيسي بمدينة نطنز بوسط إيران.

وكانت المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية قد لوحت في وقت سابق باستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، في حال لم تتوصل إيران وأوروبا إلى حلول تنعش آمال الإيرانيين بمكاسب الاتفاق وتخرجه من غرفة الطوارئ. وفي يونيو (حزيران)، أبلغت إيران الوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة بأنها ستزيد قدرتها على تخصيب اليورانيوم ضمن الحدود التي حددتها اتفاقية عام 2015 مع القوى العالمية.

ويسمح الاتفاق النووي لإيران بامتلاك 5060 جهاز طرد مركزياً من طراز «IR – 1» لفترة 10 سنوات، وتستبدل تدريجياً بها أجيالاً حديثة عندما يحين تخفيف القيود عن إيران. وقبل ذلك، وفي يونيو، أمر خامنئي المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بالوصول إلى 190 ألف وحدة فصل للانشطار النووي؛ وهو ما يتطلب إنتاج أجهزة طرد مركزي مطورة قد تعارض الاتفاق النووي.

وعرض التلفزيون الإيراني، حينذاك، خلال حوار مع صالحي، صوراً لثلاثة أجيال من أجهزة الطرد المركزي «IR - 2» و«IR – 4» و«IR – 6» تخطط طهران للحصول عليها لزيادة قدرتها على تخصيب 190 ألف وحدة فصل. وقال صالحي في ذلك الوقت: «إذا اضطررنا إلى العودة والانسحاب من الاتفاق النووي، فإننا بالتأكيد لن نعود إلى ما كنا عليه من قبل. سنقف عند موضع أعلى بكثير».

وكانت الأيام الماضية قد شهدت تلاسناً بين طهران وواشنطن، بعد تحذير أميركي من انتهاك القرار 2231 الصادر من مجلس الأمن بشأن إطلاق صواريخ إلى الفضاء، وتستخدم تكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات، وهو ما أكد حدوثه الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال أسابيع.

كانت الخارجية الفرنسية قد أصدرت بياناً تحذر فيه إيران من انتهاك القرار 2231، إذا ما أقدمت على إطلاق الصواريخ إلى الفضاء.

وتزامن إعلان صالحي مع استدعاء إيران القائم بالأعمال البولندي احتجاجاً على استضافة بلاده قمة دولية حول الشرق الأوسط برعاية الولايات المتحدة، تركز على ضمان عدم تهديد إيران لأمن المنطقة.

وتناقلت وكالات إيرانية عن المتحدث باسم الخارجية أنها سلمت كبير الدبلوماسيين البولنديين احتجاجاً على استضافة القمة الأميركية.

وقالت الخارجية الإيرانية إن «إيران قد تضطر لاتخاذ خطوات مقابلة، إذا لم تتخذ بولندا خطوة عاجلة» لتعويض الخطوة.

وأتت الخطوة الإيرانيين بعد يومين من مواقف غاضبة لكبار المسؤولين في الحكومة والجهاز الدبلوماسي الإيراني عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الجمعة، أن القمة التي ستعقد في وارسو يومي 13 و14 فبراير شباط ستركز على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، مضيفاً: «وهذا يشمل عنصراً مهماً، وهو ضمان ألا يكون لإيران تأثير مزعزع للاستقرار».

وأفادت «رويترز»، نقلاً عن وكالة «إرنا» الرسمية، بأن مسؤولاً بالوزارة أبلغ القائم بالأعمال البولندي في طهران أن إيران تعتبر قرار استضافة الاجتماع «عملاً عدائياً لإيران»، وحذر من أن طهران قد ترد بالمثل.

وأضافت الوكالة أن القائم بالأعمال البولندي «قدم إيضاحات حول المؤتمر، وأكد أنه لا يناصب إيران العداء».

وتأزمت العلاقات بين طهران وواشنطن بشدة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو (أيار) الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع ست قوى كبرى عام 2015، وكذلك قراره إعادة فرض العقوبات على إيران، بما في ذلك قطاع النفط الحيوي.

وانتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بولندا الجمعة لموافقتها على استضافة الاجتماع، وكتب على «تويتر» يقول: «لا يمكن للحكومة البولندية غسل العار: في حين أنقذت إيران البولنديين في الحرب العالمية الثانية، تستضيف (بولندا) الآن عرضاً هزلياً يائساً مناوئاً لإيران».

ونشر ظريف في تغريدته صوراً تشير إلى وثائق استضافة إيران لأكثر من مائة ألف لاجئ بولندي خلال الحرب العالمية الثانية. بدوره، قال إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس الإيراني، إن «سبب عقد القمة هو فشل العقوبات الأميركية في تركيع إيران».

ونقلت وكالة «فارس»، الناطقة باسم «الحرس الثوري»، عن جهانجيري قوله: «ظن الأميركيون أن الضغوط ستدمر اقتصادنا. أرادوا وقف صادراتنا النفطية، لكنهم فشلوا... والآن قرروا عقد مؤتمر مناهض لإيران في أوروبا».
من ناحية أخرى، قال مسؤول ثقافي إيراني إن بلاده ستلغي أسبوع الفيلم البولندي المزمع تنظيمه، إذا لم يتم التراجع عن خطط استضافة القمة.

وقال حسين انتظامي رئيس المنظمة السينمائية الإيرانية على «تويتر»: «استضاف الإيرانيون دولاً وجماعات عرقية كثيرة بترحاب»، وأشار إلى أن إقامة أسبوع الفيلم البولندي في أصفهان وشيراز ومشهد وطهران «ستعتمد على تصرف وارسو المناسب».