رئيس الأركان قال إن التغيير يهدف إلى ضمان المصالح القومية
 

أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري أمس عن تغيير استراتيجية قواته من الدفاعية إلى الهجومية دفاعا عن المصالح القومية قائلا إنها «لن تبقى مكتوفة الأيدي ضد أي تهديد» ودفع في الوقت ذاته باتجاه «نفي وجود أطماع إيرانية لفرض الهيمنة على مصالح وأراضي الدول الأخرى».

ونقلت وكالات أنباء «الحرس الثوري» عن باقري قوله على هامش اجتماع في طهران إنه «في حال مؤشر أو دليل على أي اعتداء وشيك ضد إيران من الممكن أن يكون اتجاهنا هجوميا» وذلك في تلميح إلى إمكانية توجيه ضربات استباقية لأهداف تعتبرها إيران مصدر تهديد.

وقال باقري إن بلاده «لن تكون مكتوفة الأيدي عندما تتعرض مصالح الشعب وأمن واستقرار البلد إلى مخاطر» مشددا على أن سلوك بلاده على الصعيد العسكري «دفاعي وليس انفعاليا» وزعم أن تغيير اتجاه القوات المسلحة من الدفاعي إلى الهجومي «لا يقصد الاعتداء والهجوم أو الطمع بأراضي أي دولة أخرى» مضيفا أن الاستراتيجية الإيرانية الشاملة «الدفاع عن استقلال وسيادة الأراضي والمصالح القومية والشعب» وفي جزء آخر قال «في حفظ مصالحنا من الممكن أن يكون لدينا توجه هجومي».

ولا يعد السيناريو الجديد الذي كشفه أرفع القيادات العسكرية جديدا، ففي أغسطس (آب) 2016 وردا على خطابات دونالد ترمب في حملته الانتخابية، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى تغيير نهج القوات المسلحة الإيرانية وتعزيز قدراتها الهجومية وعدم الرهان على المفاوضات.

وإضافة إلى حاجة إيران الدفاعية عزا خامنئي أوامره حينذاك إلى «حساسية الأوضاع في منطقة غرب آسيا» وطالب كبار قادة القوات المسلحة بإنتاج أنواع الأسلحة ما عدا الأسلحة الكيماوية لكنه أشار إلى أهمية إنتاج ما اعتبره الجانب «الدفاعي» فيما يتعلق بالسلاح الكيماوي، وقال: «من الخطأ أن نظن أنه يمكننا التوصل إلى تفاهم ونقاط مشتركة عبر المفاوضات». وكان خطاب خامنئي غداة استعراض إيران أنظمة صواريخ إس_300 في محيط مفاعل فردو وأمر بتنمية القدرات العسكرية «إلى مستوى تشعر القوى المستكبرة بالتهديد».

وتدل تسمية «القوى المستكبرة» في الأدبيات السياسية على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

بعد شهور من تأكيد خامنئي على إنتاج أسلحة «دفاعية» لمواجهة الأسلحة الكيماوية، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اتهم كينيث وارد، المندوب الأميركي لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية السامة، إيران، بإخفاء ترسانتها من الأسلحة الكيماوية عن المنظمة الدولية في لاهاي، في انتهاك لميثاق منع انتشار تلك الأسلحة. وقال إن «الولايات المتحدة لديها مخاوف منذ فترة طويلة بأن إيران تملك برنامج أسلحة كيماوية لم تعلن عنه لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية»، محذرا من سعي إيران لامتلاك مواد كيماوية تعمل على النظام العصبي لأغراض هجومية.

من جهة أخرى فإن تأكيد باقري أمس على تغيير في الخطط العسكرية الإيرانية يشير إلى إمكانية توجيه ضربات استباقية وذلك في وقت عمق إعلان الولايات المتحدة إقامة مؤتمر حول الشرق الأوسط ووارسو منتصف الشهر المقبل مخاوف في طهران وخاصة أنه تزامن مع الجدل حول تحرك القوات الأميركية في المنطقة، تمثل بإعلان الانسحاب من أفغانستان وسوريا وهو ما أدى إلى انقسام بين الإيرانيين، فمن جهة رأت الأوساط المقربة من «الحرس الثوري» أنه دليل على تقدم استراتيجية إيران الإقليمية، أعربت الأوساط القومية المنخرطة في صفوف التيار الإصلاحي من مخاوفها إزاء توجه أميركي لتوجيه ضربات إلى إيران.

وتركت الخطوة الأميركية أثرها النفسي في طهران. وفضلا عن الجدل الإعلامي وتراشق الإعلام المحسوب على «الحرس الثوري» والحكومة حول الولاء للغرب، صدرت عدة مواقف من القادة العسكريين الإيرانيين تتوعد القوات الأميركية برد عسكري «قاس» إذا ما اتخذت إجراءات عسكرية ضد إيران.

أتت تصريحات باقري بعد يومين من انطلاق مناورات عسكرية للقوات البرية الإيرانية والتدريب على خطط «هجومية» قرب منشأة نظنر النووية في أصفهان.

وقال باقري تعليقا على المناورات الأخيرة التي أجرتها القوات الإيرانية في مضيق هرمز والخليج وبحر عمان وعلى البحر والبر والجو إنها «تغيير في طبيعتها» وأضاف أن «هذا الطريق في تقدم مستمر حتى تكون القوات المسلحة على جاهزية لتغيير الخطط العسكرية عندما تقتضي الضرورة».

وفي الشهر الحالي، أرسلت إيران صاروخا إلى الفضاء يحمل قمرا صناعيا اسمه «بيام» (رسالة) وذلك في تحدٍ لتحذير أميركي من انتهاك القرار 2231 الذي يحث إيران على تجنب تطوير صواريخ باليستية يمكن تطويرها لاحقا لحمل رؤوس نووية. وقابل الخطوة احتجاج فرنسي قبل أن تحذر فرنسا يوم الجمعة الماضي من أنها قد تفرض عقوبات في حال لم تحرز تقدما في المفاوضات حول برنامج الصواريخ الإيرانية.

وكانت مصادر غربية كشفت أول من أمس عن تحرك أوروبي لإصدار بيان يدين التدخلات الإقليمية الإيرانية في سوريا والعراق واليمن بموازاة مطالبتها بوقف تطوير الصواريخ الباليستية. ويفترض أن يصدر البيان بعد تثبيت آلية خاصة تسمح لطهران بالالتفاف على العقوبات الأميركية ومواصلة التجارة مع الشركات الأوروبية بعملات غير الدولار وهو جزء مما تعتبره الدول الأوروبية مساعي لحفظ الاتفاق النووي من الانهيار.
ولكن تصريحات رئيس الأركان الإيراني قد تتعارض مع حكومة روحاني التي تسعى وراء التهدئة مع الغرب هذه الأيام.

وخلال العام الماضي، جربت إيران صواريخ كروز محلیة الصنع من طراز سومار وقالت وكالة نادي المراسلين الشباب التابعة للتلفزيون الإيراني في نهاية نوفمبر الماضي إن «ظل صواريخ كروز (سومار) مسلط على رؤوس الأوروبيين» واعتبرت الصاروخ يأتي في إطار تعزيز القدرات الصاروخية الإيرانية. وفي إشارة إلى التكنولوجيا المستخدمة في الصاروخ قالت إنه بإمكانه الوصول إلى أبعد مناطق في أوروبا وأكثر من 70 في المائة من القارة الآسيوية. وبحسب الوكالة فإن الهدف من إنتاج الصاروخ التصدي لهجمات ضد إيران والبنى التحتية الإيرانية.

في يوليو (تموز) الماضي، هدد قائد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» قاسم سليماني الولايات المتحدة بخوض حرب «غير متكافئة» واستهداف القوات والمصالح الأميركية في أول تعليق بعد تلاسن الرئيسين الإيراني والأميركي. وهدد حينها روحاني بإغلاق هرمز وقال إن «الحرب مع إيران ستكون أم المعارك». ولم يتأخر رد ترمب إذا كتب في تغريدة بأحرف كبيرة «إلى الرئيس الإيراني روحاني: لا تهدد أبدا الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا ستتكبد عواقب لم يشهد مثيلها سوى قلة عبر التاريخ، نحن لم نعد البلد الذي سيقف أمام كلماتك التي تتوعد بالعنف والموت كن حذرا».

ورد سليماني بقوله إن البحر الأحمر «لم يعد آمناً للقوات الأميركية» وقال مخاطبا الأميركيين: «نحن أقرب إليكم مما تعتقدون، يجب أن تتذكروا أننا وقوات (فيلق القدس) من سيحاسبكم وليس كل القوات المسلحة». وأضاف «قد تبدأ أنت الحرب، لكن نحن من سينهيها، سندمر جميع إمكاناتكم».

ويواجه «الحرس الثوري» منذ عام تهديدات بإمكانية تصنيفه على قائمة الإرهاب الدولية من جانب الولايات المتحدة، بسبب دوره الإقليمي الذي تعتبره الولايات المتحدة تهديدا للاستقرار. وفي الأيام الماضية فرضت الولايات المتحدة وألمانيا عقوبات على شركة «ماهان» بتهمة تقديمها خدمات لوجيستية إلى «الحرس الثوري».

بموازاة ذلك، تشهد الجبهة السورية تصعيدا متقابلا بين إيران وإسرائيل. ووجهت إسرائيل أكثر من مائتي ضربة إلى أهداف إيرانية بحسب المصادر السورية فيما قال قيادي بالجيش الإسرائيلي إن الهجمات بالآلاف. والخميس الماضي، قال قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري إن إيران «عازمة على الاحتفاظ بما تملك في سوريا»، ولوّح بإطلاق صواريخ موجهة على إسرائيل إذا ما هاجمت قواته في إيران، مشددا في الوقت نفسه على بقاء القوات والمعدات والأسلحة الإيرانية في سوريا.

إلى جانب ذلك، فإن تأكيد باقري على المصالح القومية يعيد للأذهان تصريحات المسؤولين الإيرانيين وقادة عسكريين عن القتال في العراق وسوريا ومناطق أخرى تحت عنوان الدفاع عن المصالح القومية.

وليس من الواضح ما إذا كان باقري يلمح إلى إمكانية تصعيد عسكري لما تعتبره إيران مكاسب في سوريا.

العام الماضي، استخدمت إيران مرتين صواريخ موجهة في توجيه ضربات إلى أهداف خصومها خارج الحدود الإيرانية، في المرة الأولى استهدفت بداية سبتمبر (أيلول) كوي سنجق في ضواحي أربيل قبل أن تطلق بداية أكتوبر (تشرين الأول) صواريخ باتجاه شرق الفرات وقالت بأنها ضربت مواقع تنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم دام على العرض العسكري الإيراني في الأحواز في 22 سبتمبر.

بدوره، قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية حشمت الله فلاحت بيشه أمس بأن اللجنة عقدت اجتماعا بحضور مسؤولين من الخارجية الإيرانية ووزارة الاستخبارات وممثلين من الأجهزة العسكرية لبحث قمة وارسو المقررة منتصف فبراير (شباط).

بحسب فلاحت بيشه فإن القضايا المطروحة في الاجتماع «تشير إلى نوع من التراجع الأميركي في السياسات المعادية لإيران» لافتا إلى إن القمة «تأتي بعدما أخفقت الولايات المتحدة في إثارة قضية إيران بمجلس الأمن». فلاحت بيشه ذهب أبعد من ذلك وقال إن «الولايات المتحدة اضطرت في نهاية المطاف إلى مغادرة المنطقة بعد إحباط نتيجة عدم توصلها إلى إجماع حول إيران في المنطقة». وقال إن واشنطن «أعلنت تعديل الموضوع وقالت إنه ليس من المقرر أن تطرح قضايا حول إيران والاتفاق النووي في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى حضور الدول» على حد تعبير المسؤول الإيراني.