خبراء يؤكدون أن تقلب الطباع بعد الزواج أمر طبيعي ينشأ نتيجة تغيير العادات الشخصية للشريكين وانتقال كل منهما لحياة جديدة تفرض عليه التزامات وواجبات جديدة.

باتت مقولة العلاقة بين الثنائي تكون في فترة الخطوبة رومانسية وتتحول بعد الزواج إلى علاقة خالية من المشاعر من بين المسلّمات لدى فئة واسعة من الشباب في المجتمعات العربية، وهي من بين الأفكار التي تشجع على العزوف على الزواج بحسب المختصين، ويردد بعض الأزواج أنه بمجرد انتهاء شهر العسل تبدأ المتاعب وتحلّ اللامبالاة محلّ الحب ويعتبر كثيرون أن شخصية الشريك تتغيّر بمجرد الدخول في الحياة الزوجية والأسرية.

يبدأ كلا الزوجين أحيانا منذ العام الأول للزواج في الشكوى وينتقد كل منهما طباع الآخر، معتبرين أنها ظهرت على حقيقتها بعد الوصول للزواج وفي بعض الحالات يتحدث أحد الشريكين أو كلاهما عن اكتشاف طباع وعادات جديدة لدى الطرف المقابل، غير أن خبراء في علم النفس والاجتماع، يؤكدون أن هذه التناقضات طبيعية وهي تنشأ نتيجة تغيير العادات الشخصية للشريكين وانتقال كل منهما لحياة جديدة تفرض عليه التزامات وواجبات جديدة.

يرى وليد عوض متزوج منذ 7 سنوات، أن المرأة في حد ذاتها لغز كبير ليس له حل، فعندما تكون في حالة رومانسية وحب، تقدم الكثير والعديد من التنازلات، ولا تنظر في فترة الخطبة إلا إلى الجوانب الإيجابية، ولكنها بعد الزواج تتغير ولا يعجبها العجب، ومهما كانت معجبة بصفات زوجها قبل الزواج، نجدها تنتقده في أي تصرف وفي كل خطوة، من دون أن تُبدي سببا مقنعا.

ويصرّح مصطفى وهو متزوج وأب لطفل في عامه الأول، أن أكثر ما فاجأه في طباع زوجته أنها لا تعرف النظام والترتيب، ويقول إن هذا الأمر ينغّص عليه حياته لأنه يضطر أحيانا للقيام بشؤون المنزل، مثل كيّ الثياب، وترتيب أجزاء من المنزل ليتخلّص من الفوضى وأكوام “الكراكيب”. ويشتكي مصطفى من أن إهمال زوجته لترتيب وتوظيب البيت زاد عقب إنجاب طفلهما، وتبرر ذلك بأنها منشغلة في رعاية الطفل.

ويتابع “يظن البعض أن هذه المشكلة تافهة مقارنة بمشاكل أخرى أكثر أهمية، لكن في حقيقة الأمر أن الحب وحده غير كاف لإدارة الحياة، وفي نفس الوقت أنا لا أملك القدرة المالية في الوقت الحالي لانتداب خادمة كي تنقذ بيتنا وابننا وحياتنا الزوجية من مخاطر الإهمال”.

ويختار خالد عبدالعزيز متزوج منذ أربع سنوات، لنفسه موقعًا وسطًا، مؤكدا أن الكثير من الأشياء تتغيّر بعد الزواج، ومن بينها الصفات التي كانت تعجب الزوجة في فتى أحلامها قبل الزواج، لكن المسألة من وجهة نظره ليست كارثية ولن تصل الأمور إلى طريق مسدود، فقد يحتاج الأمر إلى وقت لكي يتأقلم كل طرف مع التركيبة النفسية للطرف الآخر، وأهم ما في الموضوع أن يكون كل طرف واثقًا من السمات الأساسية في شخصية شريكه والتي تشكل ضامنا للتفاهم بينهما.

ومن الجانب الآخر، تؤكد سوزان أحمد مدرّسة، أنها لا تعتبر أن المرأة فقط تتغيّر بعد الزواج وتنكشف طباعها الحقيقية بل الرجل أيضا، وهي رغم زواجها بالشخص الذي أحبته، اكتشفت بعد الزواج أنّ الكثير من صفاته وتصرفاته لم تعُد تعجبها، وتقول “كنت أضحك لأيّ نكتة أو تعليق يصدر عنه، واليوم لم تعُد تضحكني هذه النكات، فصرتُ أصفه بأنه شخص غير جادّ وكثير الهزل، وهذا الشيء يفقده احترام الآخرين، وبدلا من احترام رأيي، أصبح يتهمني بأنني متناقضة، رغم أن شخصيتي كانت تبدو له متوازنة قبل الزواج”. وتذكر سوزان بشيء من الامتعاض أن أصدقاء زوجها الذين كانت تحترمهم، اكتشفت بعد الزواج بأنهم مختلفون عن الصورة التي حملتها عنهم قبل ارتباطها، وقد أغضب تصريحها بهذا الاكتشاف زوجها ودبّت بينهما عدّة خلافات بسبب علاقته بأصدقائه؛ لأنه لم يكلّف نفسه مراجعة علاقته بهم ولا تصرفاتهم معه بل اعتبر أنها متقلّبة ومتذبذبة.

أما سامية حاتم متزوجة منذ 5 سنوات فتقول “إن أحد أسباب تناقض المرأة مع نفسها، والتي تظهر جليّا بعد الزواج، تعود إلى عدم معرفتها التامة للطرف الآخر، بصورة واضحة وواقعية، فضلا عن تعوّد غالبية النساء على كتمان مشاعرهن، وعدم قدرتهن على التعبير عن أنفسهن بطريقة مقنعة وواضحة، أو على الإفصاح عن حقيقة ما يفكرن فيه.

عندما يفهم الأزواج أن التغييرات في تصرفات الشريك أمر عادي مرتبط بالمتغيرات الجديدة، فإن تأثيرها يصبح طفيفا

ويرى استشاري العلاقات الأسرية، أحمد عمارة، أن الحل الأمثل لعدم الوقوع في هذا اللبس وتصور أن هناك خداعا أو إخفاء للحقيقة من قبل الشريك هو أن يدرك الزوجان طبيعة المرحلة الانتقالية للفترة الأولى من الزواج لكي يأخذا وقتيهما ويبلغان مرحلة التأقلم والتفاهم، وفي هذه المرحلة ينبغي أن يتقبّل كل منهما التغيّر الذي تفرضه الظروف على كل طرف، من دون التفكير في قضية التناقض، بشرط أن يكون لكل شيء حدود.

ويضيف عمارة أنه عندما يفهم الزوج أو الزوجة أن التغييرات في صفات أو تصرفات الشريك أمر عادي، مرتبط بالمتغيرات الجديدة في حياتهما، فإن تأثير المسألة سوف يصبح طفيفا. ويلعب الاختيار السليم دورا كبيرا في نجاح العلاقة بين الزوجين، فإذا لم يتوفق أحدهما في الاختيار وبدأ يشعر بالإحباط، لأن صفات الطرف الآخر لم تعد تعجبه، سرعان ما يعتقد أنه كان يكذب عليه، لكي يتجمل بينما يكون رد فعل الطرف الآخر غير منطقي؛ لأنه أيضا يتخيل أنه يعيش مع شخصية متناقضة، فقد كان معجبًا به وبكل صفاته، والآن تغير هذا الشعور ولم يعد يرى سوى السيئات.

ويعتبر أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة، محمد عودة، أن الرجل الشرقي بطبعه ازدواجي في المواقف والتصرفات، ويقول مثلا “كلنا نحب المرأة المثقفة والجريئة، وعندما نسعى للارتباط بها لا نتقبل الثقافة واضحة المعالم أو الجرأة عندها، وعندما نرتبط بها وبعد العشرة قد تتغيّر الصورة في نظرنا”.

ويوضح عودة أنه من المنطقي أن المرأة والرجل يحتاجان بالمقدار نفسه إلى الحب والعطف والحنان من الطرف الآخر، وأيضا إلى الإحساس بالأمان والحرية، فمثلما للرجل مطالب كأن يُعامل بتهذيب ورقة واحترام من زوجته، فالمرأة بدورها لديها نفس المطالب والحاجيات. كما أن كل طرف يجب أن ينظر بتقدير لكل كلمة حب وكل تصرّف مهذب يقوم به الشريك تجاهه، فأحد أسرار السعادة الزوجية أن يتبادل الزوجان الحب والاحترام والتقدير.