لن يكون الهدف الأول لعودة الإتصالات في الكواليس السياسية من أجل عملية تأليف الحكومة بحدّ ذاتها، وإنما السعي الى إنتاج تفاهم «مار مخايل 2» وفق قواعد جديدة قبل البحث حكومياً من جديد.
 

ليس سرّاً انّ معظم طهاة التشكيلة الحكومية الجديدة ما زالوا على خطّ المساعي الجارية من أجل ترميمها والبحث عن النقاط التي يمكن الانطلاق منها بعد التعثّر المفاجئ الذي أصابها، بعدما كانت «الطبخة» استوت لولا مسلسل الأخطاء التي ارتُكبت في «اللحظات القاتلة» وعطّلت التوافق على «جواد عدرا».

وبعيداً من التفاصيل ومسلسل السيناريوهات التي تم تداولها حول مجموعة نقاط التفاهم التي صيغت في الجولات المكوكية التي أجراها اللواء عباس ابراهيم المدير العام للامن العام، فقد كانت الساعات الأخيرة حاسمة وتوليد الحكومة الجديدة على قاب قوسين أو أدنى.

وكان واضحاً انّ المعادلة قامت على قاعدتي تراجع مجموعة النواب الستة من قوى 8 آذار عن موضوع التمثيل المباشر لواحد منهم من جهة، وتسمية من يمثلهم من حصة رئيس الجمهورية من جهة أخرى.

ومن وجهة النظر هذه، فإنّ ما حصل في تلك الساعات - يروي العارفون - كان مفاجئاً للجميع. فإصرار «حزب الله» عبر احد نواب مجموعة الستة على ان يصدر «جواد عدرا» بيانه الذي «يلتزم به بتوجهات المجموعة السنية» لم يكن من ضمن بنود التسوية، فيما كان الفريق الآخر يصر على عدم الحاجة الى مثل هذا البيان.

والتفاهم قال بما معناه «انّ عدرا يمثّل اللقاء التشاوري من ضمن حصة رئيس الجمهورية من دون ان يكون عضواً فيه». وهو ما قاد الى الإلتباس، وزاد الطين بلة ان اعتبر عدرا «الوزير الملك» الذي رفع حصة التيار ورئيس الجمهورية الى 11 وزيراً، وهو ما لم يقبل به «حزب الله».

وبمعزل عن هذه المعطيات الملتبسة، فقد ظهر واضحاً انّ هناك خللاً أصاب العلاقة بين الحزب من جهة ورئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» من جهة أخرى. وشنّت حملات متبادلة، وسبقت وسائل التواصل الإجتماعي الطلات الإعلامية لرموز من الطرفين، والتي برزت فيها حملات تبادل الإتهامات.

ورغم تحييد رئيس الجمهورية في الحملات التي شنّها موالون للحزب، فقد انفجرت العلاقة بين «التيار» والحزب، واقتربت من ان تكون مباشرة بينهما لولا حرص البعض من الطرفين وأصدقائهما على إبقائها قيد المعالجة في الغرف المقفلة.

ولمّا لم يعد هناك شيء خَفي في الحرب المعلنة بين بعبدا والشالوحي من جهة وحارة حريك من جهة أخرى، إنطلقت جولة جديدة من الوساطات لترميم العلاقات التي اهتَزّت بقوة بين الطرفين، لكنها لم تمس التفاهم «الإستراتيجي» بينهما باعتراف الطرفين علناً.

ويعترف اصحاب المبادرات التي انطلقت بعد سقوط التشكيلة الحكومية الأخيرة انه سيكون من الصعب جداً تحديد نقطة الانطلاق الجديدة لمساعي التأليف قبل ترميم العلاقة بين القيادتين في الضاحية الجنوبية وميرنا الشالوحي، والتي لا يمكن إبعاد موقع رئيس الجمهورية عنها رغم تحاشي تحميله مسؤولية ما حصل وحصرها برئيس التيار.

وعليه، فإنّ مَن اطّلع على حجم المناقشات الأخيرة الجارية في الكواليس وشكلها، رأى انّ البحث يتركز الآن حول «قواعد سلوك جديدة» تصل الى مرحلة ولادة تفاهم «مار مخايل 2» قبل الحديث عن إحياء المفاوضات حول الحكومة العتيدة، وما لم تصل المفاوضات الى هذه المرحلة المتقدمة لن يكون هناك بحث باسم من يمثّل «اللقاء التشاوري» كما يرى بعض نوابه المتشددين، وهو ما يدلّ صراحة على الحاجة الى «مار مخايل 2» ولو بشكل جزئي، ليصبح بصيغة مُستنسخة بوابة الى بداية الحلحلة الحكومية.