أن نتوجه إلى مجلس شورى الدّولة كونه الجهة الصالحة التي يبقى لها الكلمة الفصل بالنزاع بين الدولة ومواطنيها فهو الجهة الطبيعية والصالحة والوحيدة التي يجب أن نلجأ إليها وهذا أمر طبيعي. لكن أن نلجأ إليها ونحن مواطنين مسلوبي الحقوق ولا نُنَصَف فهذا أمر غير طبيعي ويدعو إلى التساؤل؟ أي عدل هذا وأي قانون!
والتساؤل موصول على التأسف من وقوع هذا المجلس والقضاء برمّته ضحيّة لا بل "فريسة" أصحاب السّياسة والمال “الأقوياء"!

فمن المعيبٌ التجاهل بشكل فاضح مبدأ «إحقاق الحق» المسند بأدلّة ساطعة ودامغة وثابتة سنداً للقواعد الدستورية والقانونية المرعيّة الإجراء! ومن المعيب أن لا تعيدوا الحق لأهله بعدما سلب منهم عنوةً وزوراً واستنسابية!

ومن المعيب أيضاً أن يحاربنا رأس المجلس وقضاته، برؤوس أصحاب المال والسياسة، معيب أن لا يجارينا المجلس بثابتة الالتزام بالقوانين الصّرفة التي تجعل من القاضي فم القانون في مطالبنا ومشروعيتها، ومعيب أن يصدر عن المجلس قرارٌ يقضي بعكس هذا استجابةً لضغوط "الأقوياء.

وعليه، تابع الفريق القانوني في تحالف "متحدون" قضية استبدال جوازات السفر المطبوع عليها تاريخ الصلاحية يدوياً، وقدم لائحة "جوابية" أولى إلى مجلس شورى الدولة بشأن قراره الصادر بتاريخ 28/2/2017  والمتعلق بالقضية عينها.

تبلغت الدولة اللائحة الجوابية، مانحةً نفسها مدة ١٠ أيام استثنائيا، لم تقدم فيها أي رد ما أدى إلى توجيه اللائحة للبت بها في مجلس شورى الدولة. 

اللائحة الجوابية طالبت "بإعادة المحاكمة بشأن القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة، وإبطال القرار الصادر من الجهة المطلوب الإعادة بوجهها أي «الامن العام» وإعلان مسؤوليتها واسترجاع الرسوم المدفوعة نتيجة استبدال جواز السفر بآخر جديد بعد تجديد الجواز القديم، الشرعي والجائز.

وبذلك، تكون الدولة قد وقعت في الفخّ لأنها تهرّبت من المواجهة، ولأنها أقحمت نفسها في مجاوزة أخرى في حقّ المواطن، الذي يبقى حتى الساعة حائراً في شأن الرسوم التي فُرضت عليه من دون وجه حقّ بسبب الالتباس الحاصل.

"فجوازات السّفر المجدّدة تاريخ صلاحيتها بخطّ اليدّ"  تقضي باعادة طلب المحاكمة المقدّم من الجهة المدعية تحالف "متحدون "، إذ، تبلّغ المحامي رامي عليق من تحالف متحدون والذي تكلم باسم الشعب اللبناني برمته بتاريخ 18/12/2018 قرار المجلس الذي يعتمد " الاصول الجوهرية".

اعتبر المجلس القرار المطلوب إعادة المحاكمة بشأنه، مخالف لـ"الأصول الجوهرية" كما يصفها القاضي، متناسياً بذلك أصولاً "أكثر من جوهرية" تستمدّ أحقيّتها من القواعد الدستورية والقانونية المعمول بها وبذلك، يؤكد مجلس الشورى أنه ليس معنياً بالأصول بشكل عام ولا بحقوق المواطن اللبناني بشكل خاص. 

أهمل مستشارو المجلس التقارير ولم يلتفتوا لوقوع المواطنين المكلفين ضحيّة لازدواج ضريبي، فالمُكَلَّف هو نفسه والضريبة المتكررة نفسها والمكان الضريبي نفسه والمدّة الزمنية هي نفسها.

لا بل الأكثر "جوهريّة" هو تراجع الجهة المستدعى بوجهها "المديرية العامة للأمن العام" ضمنياً عن قرارها "الاستنسابي" وجوب استبدال الجوازات المجدد تاريخ الصّلاحية عليها بخط اليد بأخرى جديدة مطبوعٌ عليها تواريخ الصلاحية آلياً.

هنا، انقسم المواطنون اللبنانيون إلى قسمين: الأوّل وقع في "فخ" التعاميم الصارمة للأمن العامّ والّتي تمّ التّراجع عنها ضمنياً بشكل كامل، مجبراً على استبدال جواز سفره وفق التّعميم مع دفع كامل الرّسوم مرّة أخرى، وقسم لم يقع ضحية "استنسابية" تعاميم الأمن العام حيث استمر باستخدام جوازه المجدد تاريخ صلاحيته بخط اليد دون أي مشكلة أو عائق على الإطلاق.

والنتيجة "الحكيمة" التي خلُصَ إليها مجلس الشورى قضت إلى التفريق بين المواطنين المكلفين على أساس استنسابي بحت عبر تأكيده في قراره الصادر عن إعادة المحاكمة المشار إليها ضرب مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين.

وهنا لا بد من قول كلمةُ حقّ يجب أن تُقال وباتت ملحّة جداً، وهي أنّ بعض من تمّ تعيينهم في القضاء من خلال السياسة على رأس أي جهاز قضائي باتوا يعملون على تخريب هذا الجهاز من خلال نكوثهم باليمين التي أدّوها والتي تقضي الحكم باسم الشعب اللبناني.
 
والنتيجة المؤسفة الماثلة أمامنا هي أن القضاء في لبنان يزداد خراباً. والمعيب المبكي أيضاً هو أن مجلس شورى الدّولة يفقد يوماً بعد يوم ما تبقّى له من مكانة وجهة يلجأ إليها المظلومين تبياناً لحقوقهم، وكل ذلك إرضاءً لسطوة "أقوياء" السّياسة والمال والنفوذ على حساب المواطنين "الضّعفاء".

أمام هذا المقام لا يبقى لنا سوى رئيس الجمهورية اللبنانية بوصفه حامي الدستور لنتوجه إليه التدخل في هذا المنعطف الخطير وإعادة إنصاف المواطنين بإعادة أموالهم المستولى عليها، وذلك دون الركون إلى أية اعتبارات شكلية أو إجرائية لم يكن من شأنها إلا حرف العدالة عن مسارها والحق عن أصحابه الشرعيين.