أسعدني أن أزور لبنان للمرة الأولى بعد استلام منصبي الجديد كمفوض تجاري لصاحبة الجلالة، قبل انعقاد المؤتمر اللبناني البريطاني للاستثمار في بريطانيا الذي يترقّبه الجميع.
 

يشكّل المؤتمر محطة هامة في تاريخ العلاقات الثنائية بين بلدينا، إذ يعزّز الفرص المفترض أن تقدّمها الأسواق اللبنانية، ويحفّز على تنفيذ الإصلاح الاقتصادي، ويزيد مستوى الثقة الدولية بلبنان.

قواسم كثيرة تجمع بين بلدينا، منها روح المبادرة، وقوى عاملة تتمتّع بمستويات علمية ومهارات عالية، ورؤية عالمية تصبّ في مصلحة الأعمال التجارية الكبيرة والصغيرة.

وتأتي زيارتي أيضاً في مرحلة اقتصادية دقيقة لبلدينا في ظلّ تأهّب بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما يهمّ لبنان في وضع برنامج إصلاحي طموح من أجل إنعاش الاقتصاد.

وبالتالي، يهدف دوري إلى إعطاء قوة دفع للعلاقات التجارية القائمة بين بريطانيا وبلدان الشرق الأوسط، ولبنان شريك رئيسي في هذا المسعى.

يمثّل لبنان آفاقاً جديدة للمستثمرين الساعين إلى تحقيق المكاسب. ففي نيسان الماضي، نشرت الحكومة اللبنانية خطة الاستثمار الرأسمالي التي لاقت دعماً واسعاً من المجتمع الدولي في مؤتمر «سيدر»، وهي خطة تمتدّ على ثلاث مراحل، وتقضي بتنفيذ أكثر من 250 مشروعاً خلال السنوات المقبلة يصل مجموعها إلى نحو 22 مليار دولار أميركي، ويعتمد 40٪ منها على نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

يُحتمل أن تحقّق كلّ تلك المشاريع، التي تُخاض في مجالاتٍ كتوليد الطاقة والنقل العام وإمدادات المياه، إيرادات هائلة للمستثمرين. في العام 2017، بلغت قيمة الصادرات البريطانية إلى لبنان 461 مليون جنيه استرليني، محققةً زيادة بنسبة 10٪ عن العام 2016.

وكان زملاؤنا في مكتب التجارة الدولية في بيروت قد شاركوا في منتديَين أُقيما هذا العام في بيروت لأغراض التعليم، بما فيهما معرض التعليم والتوجيه (EDEX)، مركّزين اهتمامهم على وسائل التكنولوجيا التعليمية بمشاركة أكثر من 13 شركة بريطانية.

لطالما شكّل القطاع الخاص في لبنان محرّكاً للنموّ، صمد في وجه كلّ التحديات في السرّاء والضراء. ويتفرّد هذا البلد بعوامل تمايزه عن أيّ بلد من بلدان المنطقة، وبلدان العالم في النهاية، إذ يرتكز على قاعدة هائلة ومرِنة من التحويلات المالية، وقطاع مصرفي ضخم ومربح، وقطاع خاص حيوي أثبت تفوّقه في مجال السياحة، فضلاً عن مجالات الهندسة المعمارية والبناء، وتجارة الجملة والتجزئة.

وأخذ يستفيد بشكل متزايد من قطاعات الأدوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ تترافق تلك العوامل بمشهد الفن والتصميم والأزياء الذي تظهر بصماته في العالم أجمع، فارضاً لبنان على الخريطة العالمية باستحقاق وجدارة.

تحتضن بريطانيا نحو 5.7 ملايين شركة، 99.9٪ منها مؤسسات صغيرة ومتوسطة. وبالتالي، ولا نغالي إطلاقاً إن قلنا- على غرار الوزير البريطاني لشؤون التجارة الدولية د. ليام فوكس، إنّ الشركات الصغيرة هي العمود الفقري لاقتصادنا المحلي في بريطانيا. تحتلّ بريطانيا المرتبة الأولى في أوروبا من حيث شركات التكنولوجيا الناشئة، وتحتضن بعض شركات التكنولوجيا الأسرع نمواً.

ففي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، احتفلت بريطانيا بـ"سبت المنشآت الصغيرة" Small Business Saturday، وهو حدث سنوي يساند فكرة توسيع الأعمال التجارية الصغيرة في بريطانيا، ويدعمها بشدّة. وكان عدد كبير من تلك الشركات الصغيرة قد وطّد روابطه مع لبنان، الذي لفت الانتباه بقطاع التكنولوجيا المتنامي فيه بوتيرة متسارعة، وأثار اهتماماً كبيراً لدى اللاعبين العالميين في هذا المجال.

نحتفل أيضاً بالمبادرات التي قرّبت المسافات الجغرافية بين لندن وبيروت على مستوى التكنولوجيا، ما ساعد أصحاب العقول المتوقّدة من أبناء هذا الجيل في إيصال الاختراعات المستقبلية إلى الأسواق العالمية. فبفضل تزويد شركات التكنولوجيا الصغيرة بالأدوات المناسبة للتمدّد إلى خارج الحدود، يتيسّر تصدير الأفكار والخدمات التكنولوجية البريطانية واللبنانية.

عقب إنشاء المركز اللبناني البريطاني للتبادل التكنولوجي في العام 2015، في إطار مبادرة مشتركة بين المصرف المركزي في لبنان والحكومة البريطانية، تمكّنت شركات ناشئة من التنامي بوتيرة متسارعة إلى حدّ توسيع نشاطها في كلا البلدين، واستقطاب اهتمام واسع من المستثمرين.

خلال السنوات الثلاث الماضية من عمله، نجح هذا المركز في توفير ما يقارب 2000 وظيفة في لبنان ودعم 86 شركة لبنانية ناشئة، كذلك ساهم في تيسير معاملات تجارية مع بريطانيا فاقت قيمتها 8.5 ملايين دولار أميركي، ما أتاح للشركات في لبنان أن تزيد إيراداتها بمقدار 26 مليون دولار.

إذ توشك بريطانيا على إنجاز آلية خروجها من الاتحاد الأوروبي، نتطلّع جدّياً إلى زيادة القدرات التقنية عبر تلك الشركات الصغيرة الناشئة بين جيل الشباب في الشرق الأوسط.

لطالما قامت علاقات تجارية متينة بين بريطانيا ولبنان على مرّ التاريخ. وبالتالي، سيكون للتكنولوجيا والابتكار دور فعّال في ضمان استمرار تلك العلاقات وازدهارها، من خلال دعم الشركات الصغيرة التي تجمع بين المواهب البريطانية واللبنانية في مجال ريادة الأعمال.