ما زالت المواجهة مستمرة بين مدير عام الإستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، الآتي إلى الوزارة من ديوان المحاسبة، مع وزراء الطاقة المتعاقبين، وآخرها مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل. وهي مواجهة جريئة بين مؤمن بأن مكافحة الفساد تبدأ من الإصرار على تطبيق القانون، وبين نهج يعتبر الإعتراض على إنتهاك أحكام القانون، عرقلة.
 
من المطالعة التي رفعها بيضون إلى مجلس شورى الدولة، طعناً بقرار إعطائه إجازة إدارية قسرية، تستغرق كامل المدة المتبقية له في الخدمة، حتى بلوغه سن التقاعد، يظهر أن الوزير "الإصلاحي" لم يعد قادراً على مواجهة الإحراج، الذي يتعرض له نتيجة المطالعات القانونية التي دأب بيضون على إبدائها، وما زال، في كل ملف أو معاملة أو قرار يجد فيه مخالفة للقانون. 
 
وقد حرص بيضون على رفع مطالعاته إلى الوزير وإلى مختلف المراجع الرقابية. وهي مطالعات حول ممارسات مثيرة للشك، منها إصرار الوزير على التسريع بوضع معاملات مهمة موضع التنفيذ، قبل توفير الظروف والشروط القانونية لسلامتها ونجاحها، ومن دون الإضرار بالمال العام وتعريض المصلحة العامة للمخاطر.
 
وعليه، فإن قرار أبي خليل رقم 27/ق بتاريخ 29 تشرين الأوّل 2018، والرامي إلى منح بيضون إجازة إجبارية تنتهي مدتها مع إنتهاء خدمته الفعلية، وإحالته إلى التقاعد، يأتي ضمن "تدابير تصاعدية مخالفة للقانون، وذلك لحجب الرؤيا عن تدخل مستشاريه في شؤون مؤسسة كهرباء لبنان وتلزيماتها بالتراضي وتشركتها على هواه، خلافاً للقانون، وتهدف إلى تمرير التوظيف المقنع الجاري على قدم وساق لتأمين التوازن الطائفي في المؤسسة، والسيطرة على قرارات مجلس إدارتها المقتصر على عضوين والمنتهية مدته منذ سنوات"، وفق ما تقوله مصادر متابعة للملف، والتي تكشف في حديث إلى "المدن"، أن "الممارسات التعسفية للوزير وصلت إلى حد محاصرة المديرية العامة للإستثمار، وعدم الموافقة على ملء الشواغر فيها، وحرمانها من مستلزمات العمل، لتبرير استمرار تمديد عقود المستشارين، المخالفة للقانون، والتي تكلّف الوزارة مليارات الليرات سنوياً".
 
كما ان الوزير "الإصلاحي" أصرّ على "إعطاء مكافآت لموظف ملاحق جزائياً بجرم إختلاس، ومطلوب إنهاء خدمته بتوصية من التفتيش المركزي، ولآخرين قيد الملاحقة، او يفترض أن يكونوا كذلك، لدى الأجهزة الرقابية. فضلاً عن تغطيته لموظفين مكلفين مؤقتاً بوظائف تعلو فئاتهم الوظيفية، وإعطائه آخرين تعويضات نقل على مهام وهمية، أو إعفائهم من الدوام لعدة أيام في الأسبوع".
 
ورغم وضوح المطالعات القانونية التي قدّمها بيضون، أمام مجلس شورى الدولة، والتي تتضمّن إصرار الوزير على تنفيذ بعض القرارات والمعاملات، على الرغم من مخالفتها للقانون، ومع علمه بذلك، لم يتراجع الوزير عن قراراته، لأنه بذلك "يضمن إرتهان هؤلاء، والحصول على تواقيعهم، وضمان السكوت حين يحتاج، ولغايات تتراوح بين ممارسة الضغوط في داخل الإدارة، أو الحصول على تغطية لمخالفات يجري تحميلها لهؤلاء إذا دعت الحاجة".
 
يبدو من وقائع مراجعة بيضون أن تصرف الوزير "لتمرير قرار الإجازة المطعون فيه، بالتواطؤ مع موظفين موعودين بالترفع، كان أشبه بتصرف العصابات والبلطجية"، تقول المصادر، في حين "لم ترصد أي ردة فعل سياسية لصالحه، حيال القرار المطعون فيه، على غرار حالات مشابهة حصلت مؤخراً".
قضية بيضون هي قضية مبدأ يتعلق بالدفاع عن موقع وظيفي، وصلاحيات المدير العام، المنصوص عليها في القانون، المؤتمن على المصلحة العامة وحمايتها والدفاع عنها، وعن المال العام من الهدر وأي شكل من أشكال الفساد.