لا تحجب الأزمة الحكومية ما يحصل داخل أروقة مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي. رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن ضمن سياق مشروعه لـ«استعادة الحقوق» يدعم التوجّه داخل مجلس القيادة باستكمال التشكيلات الأمنيّة المتوقّفة منذ العام 2004 واستعادة مراكز إنتقلت بالممارسة من المسيحيين الى المسلمين!
لا شئ يوحي أنّ أزمة «أمر نقل» الضباط وإجراء ورشة تشكيلات في قطعات قوى الأمن الداخلي الأولى منذ نحو 14 عاماً، قد تجد طريقها قريباً الى الحلّ.
 
وفق المعطيات، زار نائب عكار أسعد درغام قبل نحو عشرة أيام وزير الداخلية نهاد المشنوق في الصنائع باعتباره مكلَّفاً من جانب الوزير جبران باسيل في ملف التنسيق مع الأجهزة الأمنية والوزراء المعنيين. رأيُ المشنوق كان واضحاً لجهة رفضه تناول الموضوع من زاوية طائفية ومذهبية، معتبراً أنّ حلّ هذه المسألة لا يتمّ إلّا بعد تأليف الحكومة المقبلة.
 
وفيما رُصِدت حركة لافتة لوزير الداخلية خلال الأيام المنصرمة على أكثر من مستوى، فقد بدا واضحاً أخذه مسافة في المقابل من ملف «تطييف» التشكيلات المرتقبة في قوى الأمن، الى حدِّ نقل زوار عنه أنه يرفض «المقاربة الطائفية والمذهبية لهذا الملف، خصوصاً تلك التي يروّج لها بعض الضباط، وبأنّ النقاش فيه لا يجب أن يتمّ في العلن وبهذه الطريقة».
 
ويبدو، وفق المطّلعين، أنّ فتحَ الملف على مصراعيه والمطالبة بإصلاح ما يعتبره البعض «خللاً» في التوازن الطائفي داخل قطعات مؤسسة قوى الأمن، قد يدفع أفرقاءَ آخرين الى المطالبة بفتح ملفات مؤسسات أمنية وعسكرية أخرى، وهذا يعني توسيع رقعة الخلاف أكثر وفتح أبواب جدل بيزنطي لا أفق له»!
 
المواجهة في «المديرية» وصلت أخيراً الى حدّ الكباش المباشر بين المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان وبعض أعضاء قادة الوحدات في مجلس القيادة على رأسهم المفتش العام العميد جوزف كلاس إثر إصدار عثمان قرار تمديد فصل الضباط بعد اعتراض أعضاء في مجلس القيادة على التمديد.
 
خلال وجود كلاس خارج لبنان أصدر اللواء عثمان الأربعاء الماضي مذكّرة حَرَم من خلالها المفتش العام صلاحيّة الإنابة عن المدير العام في حال غيابه، وذلك من خلال إضافة عبارة تفيد أنّ مَن يتولّى مهمات المدير العام عند غيابه هو الضابط الأعلى رتبة «الذي يخضع الى المدير العام»، في حين أنّ المفتش العام يخضع لصلاحية وزير الداخلية مباشرة.
 
في هذه الحال الضابط الأعلى رتبة هو قائد القوى السيارة العميد فؤاد خوري، مع العلم أنّ الأخير كان من ضمن الضباط السبعة الذين صوّتوا ضد قرار المدير العام تمديد مهلة فصل الضباط في إجتماع مجلس القيادة في 13 تشرين الأول الماضي!
 
اللواء عثمان، وفق المعلومات، يحمّل كلاس بشكل أساس مسؤولية «إثارة الشغب» في مجلس القيادة من خلال القيام بحملة ضد المدير العام على مستويَين: الضغط لإصدار أمر نقل إجمالي يؤدي الى حركة تشكيلات واسعة للضباط، والسعي الى «إستعادة» مراكز أساسية يعيّن على رأسها ضباط مسيحيون.
 
أوساط المديرية تؤكد في المقابل «أنّ عثمان هو أكثر مَن يحرص على إتمام هذه التشكيلات بمسؤولية وليس تحت الضغط وبطريقة الابتزاز، مع العلم أنّ غياب التوافق السياسي هو العامل الأهم في تأخير هذه التشكيلات».
 
ووفق المعلومات، أبرز المراكز التي يسعى الفريق المسيحي داخل مجلس القيادة، بغطاء مباشر من رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل، إستعادتها هي: «الشعبة الإدارية» في مديرية قوى الامن، قائد سرّية سير بيروت، قائد سرّية المطار، قائد سرّية السجون، وعدد من المفارز والفصائل.
 
المذكرة التي أصدَرها عثمان وكان نتيجتها عدم تمكين العميد كلاس من ممارسة صلاحية الإنابة عن المدير العام عند غيابه، أزعجت باسيل وقد أوصَل رسالة مباشرة الى عثمان بهذا الخصوص، معتبراً أنه «كَسَر الأعراف». مع العلم أنّ كلاس بات الضابط الأعلى رتبة في مجلس القيادة، بعد إحالة قائد الدرك السابق جوزف الحلو الى التقاعد. وقد سبق للمفتش العام السابق العميد روجيه سالم أن تولّى مهمات المدير العام لقوى الأمن بالوكالة لمدة ثلاثة أشهر بعد إحالة اللواء أشرف ريفي الى التقاعد.
 
في المقابل، يدفع رئيس الجمهورية، وكذلك باسيل، في إتجاه إجراء هذه التشكيلات والضغط لتسليم ضباط مسيحيين مراكز باتت بحكم الممارسة يتولّى قيادتها ضباط من الطائفة الإسلامية، وقد اعترض عون صراحة على قرار عثمان تمديد مهلة فصل الضباط المفصولين «حتى إشعار آخر والى حين إجراء أمر نقل إجمالي وفقاً للأصول»، مطالباً عثمان بتنفيذ القانون «من خلال إعادة صلاحية نقل الضباط الى مجلس القيادة».
 
لكنّ مصادر مطلعة تؤكّد أنّ «التناغم» القائم اليوم على مستوى العلاقة بين رئاسة الجمهورية والرئيس المكلّف سعد الحريري يلقي بظلاله بمقدار كبير على «المديرية» حيث يستبعد مطّلعون أن تؤدي «الحرب الباردة» داخل مجلس القيادة، والتي وصلت الى حدّ عدم تعميم بعض قادة الوحدات قرار تمديد الفصل الذي وقّعه اللواء عثمان على قطعاتهم، لانتقالها الى داخل الأروقة السياسية بفعل «تسوية» لا تزال «في الخدمة»، وقد عبّر عنها رئيس الجمهورية بنحو صريح في طلّته الإعلامية الأخيرة.
 
وهذا ما يفسّر حتى الآن عدم غلبة فريق على آخر داخل مجلس القيادة. قادة الوحدات المسيحيون يقرّون بأنّ الخلل واضح: نسبة المراكز المسيحية في قوى الأمن 32% في مقابل 68% للمسلمين.
 
النقاش بين هؤلاء والمدير العام لم يقد حتى الآن الى تبنّي خيار تبادل المراكز أو تحقيق المناصفة داخل القطعات «والتي رفضها عثمان»، حسبما يؤكد أحد قادة الوحدات في مجلس القيادة، لافتاً الى أنّ المناصفة «تعيد للمسيحيين 18% من المراكز الأساسية».
 
ويضيف: «كنا قد بدأنا البحث في مشروع تحقيق المناصفة لكنّ الأمور عادت الى نقطة الصفر حين وصلنا الى بيروت حيث هناك أربع سرايا: سرّية بيروت الإقليمية الأولى والثانية والثالثة وسرّية السير. وحين طالبنا بسرّية سير بيروت ووجِهنا برفض مطلق لطلبنا مع العلم أنّ ضابطاً مسيحياً كان يشغلها في السابق».