غريب أمر المسؤولين في هذه الدولة، ما زالوا منذ أربعة أشهر ونيف يختلفون على الحصص الوزارية فيما البلاد، وهم أول العارفين، غارقة في الفوضى، وفي تراكم الدين العام حتى كاد أن يصل إلى المائة مليار دولار وفيما الاهتراء يعم كل المرافق العامة، ولا يستثنى منها مرفق واحد، وفيما الاقتصاد يترنح والليرة تهتز، وفيما البطالة تزداد وترتفع، وفيما المجاعة تدق كل الأبواب بعدما انعدمت الطبقة المتوسطة نتيجة السياسات الخاطئة، بل الرعناء التي اعتمدتها الحكومات السابقة، وفيما بدأت الدول التي عبّرت عن رغبتها في مساعدة لبنان على تجاوز كل هذه الآفات مجتمعة، تفكر جدياً بسحب تعهداتها بعدما رأت بأم العين ان المسؤولين في هذا البلد عاجزون عن الاستجابة لشروطها لجهة تحقيق بعض الإصلاحات المالية الضرورية لوقف الهدر المتمادي على أقل تقدير، حتى أن هؤلاء المسؤولين الذين يتربعون على كراسي الحكم وينعمون بمقدراته عاجزون حتى عن حل مشكلة الكهرباء في بلدهم والتي تستنزف خزينة الدولة سنوياً بما لا يقل عن ملياري دولار. فماذا ينتظر هؤلاء بعد حتى يثوروا على أنفسهم، ويتوقفوا عن الطمع في التفرد بالاستيلاء على الحكم وهو على هذه الشاكلة من الاهتراء والتردي، أو على توزيع الحصص الوزارية طمعاً في الحصول على أكبر عدد من الحقائب الوزارية بما يمكنهم من التحكم بمسار الحكومة وقرارات عبر التهديد باستخدام الثلث المعطل الكفيل بإسقاطها كما حصل في مرّة سابقة لحكومة الرئيس سعد الحريري.


اللبنانيون يسألون وحتى الدول الراغبة في مساعدة هذا البلد المبتلي بحكام فاسدين ومفسدين لا يتطلعون إلا لحصد المكاسب الشخصية على حسابهم: متى ينتهي هذا التلاعب بمصيرهم، وبمستقبلهم ومستقبل الشباب؟ بل متى ينتصر في نفوسهم وعقولهم حسّ المسؤولية، التي تحتم عليهم الالتفات إلى مصالح هذا الشعب وحقوقه المسلوبة بدلاً من التلهي في تقاسم الحصص الوزارية، والتفريق بين الدسمة منها وغير الدسمة وبين السيادية وغير السيادية في الوقت الذي لم يعد هناك أي معنى لهذه الكلمة بعدما اتضح أن هؤلاء المسؤولين رهنوا أنفسهم للخارج، وباتوا مسلوبي الإرادة والقرار؟


مضى اسبوع الوعود بولادة الحكومة وانطلاقة عجلة الدولة المتوقفة منذ أكثر من أربعة شهور ولم تحصل أية تطورات على صعيد تذليل العقد التي ما زالت تحول دون ولادة الحكومة العتيدة ولم يحصل أي تطوّر إيجابي على هذا الصعيد، بل إن كل التصريحات والمواقف التي صدرت من هنا وهناك تؤكد على انه لم يحصل أي تقدّم على صعيد التأليف، وان الأمور ما زالت تراوح مكانها، لأن العقد ما زالت على حالها بل ازدادت تعقيداً وفي نفس الوقت غابت عن الساحة الاتصالات والمشاورات بين الأطراف المعنية لأسباب مجهولة معلومة في نفس الوقت، وانقطع الاتصال بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيين الأساسيين في عملية التأليف، وكأن هناك انقطاع تام أو اقتناع باليأس وعدم الجدوى من أي لقاء أو اتصال ما دامت الأمور ما زالت على حالها، ولم يحصل أي تنازل من هذا الفريق أو من ذاك من فرقاء الأزمة الحكومية الراهنة، في حين ان كل المعلومات المتداولة بين الأوساط السياسية تؤكد على ان أزمة التأليف طويلة حتى لو انهار البلد كلّه.