مبادرة تاريخية لدبوسي بإستضافة اليوم الوطني السعودي: مرحلة جديدة من التعاون الحضاري والإنمائي
 
بهدوءٍ ودقةٍ وقوّة.. وجّهت طرابلس رسالتها في اليوم الوطني الثامن والثمانون للمملكة العربية السعودية بخطوة غير مسبوقة تمثلت في إستضافة الإحتفال بهذه المناسبة في ربوعها ، فكانت المشاركة الواسعة النطاق من القيادات والنخب السياسية والدينية والإقتصادية والثقافية ورؤساء البلديات وطيفٍ واسع من الوجوه العاملة في الخدمة العامة على أرض معرض رشيد كرامي الدولي.. مؤشراً إلى موقف المدينة المتطلع إلى تواصلٍ مباشرٍ وشفاف مع المملكة على جميع المستويات..
 
لم تتمكن محاولات التشويش على مبادرة غرفة التجارة والصناعة والزراعة بإستضافة فعاليات اليوم الوطني السعودي من إحداث أي إهتزازٍ أو إرباكٍ في التحضيرات والإنجاز ، لتحتضن الفيحاء مناسبة غالية عند أهلها ، نظراً لوشائج القربى والرعاية والمصالح المشتركة بين المملكة وبين المدينة وأهلها على إمتداد تاريخ لبنان منذ الإستقلال حتى اليوم.
 
نقاط القوة: مبادرة مستقلة جامعة
 
نقطة القوة في رسالة طرابلس أنها لم تأتِ تحت مظلة هذا الطرف السياسي أو ذاك ، بل إنها جاءت بمبادرة من غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال ، لتتخطى عوائق السياسة وحسابات التنافس وتتجاوز حدود النفوذ المتوزع بين المكوّنات التي تتقاسم الحضور الجماهيري.
 
كلمات الوزير المفوض وليد البخاري والرئيس دبوسي العفوية والشفافة أعطت المناسبة عـَبـَقاً خاصاً لما تضمنته من معاني الحبّ والحرص والتمسك بموقع طرابلس ومكانتها والقناعة السعودية بما تختزنه هذه المدينة العريقة من قدراتٍ بشرية وثرواتٍ ومصادر إنتاج غنية ، مصدرُها مرافقـُها المتعطشة للعودة إلى الحياة ولتدفق العمل في شرايينها التي عانت وتعاني الجفاف منذ نهاية الحرب اللبنانية وحتى الساعة..
 
إن كثافة الحضور والتلبية الواسعة للدعوة تعني أمراً أساساً وواضحاً ، وهو أن للمملكة محبة عميقة في قلوب أبناء طرابلس والشمال ، الذين توافدوا زرافاتٍ ووحداناً للمشاركة في تهنئة المملكة العربية السعودية ، قيادة وشعباً ، بيومهم الوطني المجيد.
 
منارة وسط الأزمات
 
رغم قساوة الظروف المحيطة وكآبة المشهد العام في لبنان ومعرفته بإنتشار حقول الألغام التي حالت دون وصول حملة "طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" إلى هدفها حتى الآن.. لم يقبل توفيق دبوسي بالإنكفاء أو التراجع ، بل إنه مضى قـُدُماً في خطواته النوعية للحفاظ على حضور طرابلس في قلب المعادلة الوطنية والعربية ، فكانت دبلوماسية المودة والتنمية والشراكة ، بعيداً عن الطروحات التقليدية في طلب المساعدة والإغاثة وإنتظار الظروف السانحة..
طرابلس تريد مشاريع إستثمارية تحقـّق مصالح كل الشركاء في المبادرات المنتظرة بعد إقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. وهذا ما أشار إليه دبوسي عندما قال:"نحن بانتظار استثمارات بالشركة بين شركات سعودية لبنانية على مستوى القطاع الخاص والعام، خاصة بعد إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في نهاية عام 2017".
 
دبوسي: حامل قضايا طرابلس الكبرى
 
لا يمكنك إلا أن تلاحظ هذا الحماس في عيني توفيق دبوسي وهو يراقب تدفـّق المشاركين إلى قاعة المؤتمرات في معرض رشيد كرامي الدولي ، وتطلّعه إلى نهوض "طرابلس الكبرى" كما يحب أن يسميها..
أراد توفيق دبوسي أن يلقي الضوء على أهمية المعرض كمرفق نموذجي يتعرّض لحرب إهمالٍ شعواء ، ويحتضن فرصاً ذات أهمية كبرى في تطوير الأعمال وفي مختلف المجالات.. في حين أنه يغرق في الفوضى الإدارية والحصار المالي الناجم عن عيوبٍ تاريخية في قانون عمله..
سعى توفيق دبوسي لإبقاء معرض رشيد كرامي الدولي أيقونة معمارية ومعنوية في قلوب أهل طرابلس وضيوفها على حدٍ سواء. مؤكداً ضرورة وحتمية إنقاذ هذا المرفق الحيوي ليكون منطلقاً للنهضة الإقتصادية المطلوبة رغم ركام الأزمات المتناثر.
 
العلاقة بالمملكة عريقة ومستمرة
 
عبـّر دبوسي عن أهمية هذا الحدث بكلمات واضحة الدلالة حيث قال: "إن هذا اللقاء هو فعل إيمان بأهمية العلاقات اللبنانية - السعودية وبمستقبل هذه العلاقات. فهي علاقات عريقة وراسخة ومستمرة بإذن الله. فالمملكة هي مملكة الخير والعطاء، وهي ممكلة العرب والمسلمين. ولبنان بمختلف فئاته يقدر مبادرات المملكة العربية اتجاهه، بدءاً من إحتضان الرعيل الأول من اللبنانيين في المملكة، وإسناد المهام القيادية لكثيرين منهم، وانتهاءاً بمؤتمر "سيدر" الأخير، مروراً بإتفاق الطائف وبكل الهبات والمساعدات والقروض المسيرة. ونحن نقدر للمملكة حرصها الدائم على احتضان اللبنانيين الفاعلين لديها، والذين كان لهم دور بناء في حركة الإعمار والتنمية في المملكة ومنذ المراحل الأولى".
ولم يغب واقع التجاذبات المحلية والإقليمية عن بال دبوسي فكان صريحاً وملتزماً سقف المصلحة الوطنية والعربية فأكد أن "كل التشنجات التي تحصل أحيانا، إن هي إلا غيوم صيف عابرة. وما تقوم به غرفة طرابلس والشمال اتجاه المملكة العربية السعودية على استعداد للقيام بمثله اتجاه الدول الشقيقة، التي تدعم لبنان عامة والشمال خاصة."
 
البخاري: إنصاف طرابلس الحضارة موقعاً ودوراً
 
القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوض وليد البخاري تحدث عن طرابلس والشمال كأحد أبنائه وإستطاع بخطابه وتواصله مع المشاركين أن يوصل حرارة المحبة السعودية وصدق المودة التي يحملها شخصياً ، وتكنـّها القيادة السعودية لطرابلس بشكلٍ خاص ، فشمل في كلمته الأبعاد الإنسانية والعملية في آن معاً.
وقف البخاري معانقاً "هذه اللوحة الوطنية الشعبية" في طرابلس "عرين العروبة وقلبها النابض بالاعتدال، الذي صمد بوجه كل محاولات التشويه والاتهام بالتطرف. إنها عاصمة تشبه قلعتها التاريخية، والتاريخ يشهد والمستقبل سيسجل تميز طرابلس بقوة تحصيناتها وعزيمة أبنائها على مواجهة كل محاولات التخريب والنكبات".
 
وتابع: "كيف لا؟ وهي التاريخ والتراث الوطني الخالص، الذي يلمع في مناطقها وشوارعها ومعالمها. أما أزقتها فهي كجذور ضاربة بالعمق العربي تتغذى منه، فلا تقتلعها رياح الكراهية الآتية من الداخل أو الخارج على حد سواء، الرياح التي تحمل سموم الفتنة وأجندات التخريب".
وأفاض الوزير البخاري في توصيف طرابلس "كيف لا؟ وهي دار العلم والعلماء، مدينة الفكر والأدب والثقافة. هي مدينة الفيلسوف العلامة حسين الجسر واضع الرسالة الحميدية ومؤسس المدرسة الوطنية، والعلامة عبدالمجيد المغربي، والشيخ الإمام محمد رشيد رضا وغيرهم كثر، ممن شكلوا تبر هذه الأرض الطيبة، فكانت منارة للعلم ومقصد الشعراء والفلاسفة، كأبي العلاء المعري والمتنبي والرحالة ابن بطوطة".
 
وقال: "من هنا، من طرابلس اللبنانية العربية، وانطلاقا من المكانة الخاصة، التي تحتلها الفيحاء الحبيبة لدى الممكلة، حيث حط "جسور - 2" رحاله في ربوعها ليكون خطوة من سلسلة خطوات تسعى الممكلة من خلالها إلى تعزيز التواصل والتعاون والدعم بين أبنائها وأبناء لبنان".
 
غاية المملكة نهوض لبنان.. 
يؤكد السفير البخاري "أن غاية الممكلة ومرتجاها، أن يبقى لبنان قلبا واحدا ويدا واحدة، في خدمة نهوض وازدهار أرضه ورخاء أبنائه، بعيدا عن أي تدخل، فقوة لبنان وصموده ينبعان من الداخل والداخل فقط".
 
البخاري مبادرة دبوسي تاريخية
 
ختم الوزير البخاري كلمته بتقديم خالص الشكر إلى" أهلنا في الشمال على هذه الاحتفالية الشعبية، ونعتبرها لفتة تاريخية، تعكس محبة لبنان للمملكة العربية السعودية. فطرابلس كما كل الشمال، يليق بها الإنماء والنور والفرح، خصوصا بوجود رجالات تجري في عروقهم دماء الصدق والأمانة، كرئيس غرفة التجارة في طرابلس السيد توفيق دبوسي، الذي بدورنا نشكره والمجموعة الاقتصادية على هذا اللقاء الحار بعروبته ومحبته".
 
قراءة في مبادرة دبوسي وأبعادها
 
= أعادت مبادرة الرئيس دبوسي التأكيد على مركزية طرابلس في الخريطة اللبنانية وعلى قدرتها وكفاءتها في التواصل الدبلوماسي الرفيع وعلى كرم وفادتها ومحافظتها على مكانتها في أصعب الظروف والمراحل.
 
= تعيد الدبلوماسية الشعبية والنخبوية التي يقدّمها الوزير البخاري ، تعيد ، تظهير صورة المملكة العربية السعودية إنطلاقاً من ثوابتها التاريخية وصولاً إلى رؤيتها النهضوية المعاصرة ، فحصد في طرابلس محبة أبنائها وأبناء الشمال ، وأوصل رسالة بالغة الدلالة إلى كل من أغاظه فتح الفيحاء قلبها لإستضافة سفير المملكة وفريق السفارة بأن العلاقة مع السعودية أكبر من أن يعكّرها تشويش الحاقدين على طرابلس وعلى المملكة وأن عليهم أن يدركوا أن الفيحاء هي قلعة الوطنية والعروبة العصية على الإختراق.. لا بل إن مبادرة الرئيس دبوسي وضعت قاعدة صلبة لتطوير هذه العلاقات في الإتجاه العملي والبَنـّاء لتؤسّس لمرحلة جديدة تستجيب لتطلعات أبناء طرابلس لخطواتٍ تترجم الطموحات المشتركة اللبنانية السعودية.
 
= في خضم الإنشغالات الإقليمية والدولية وتحت وطأة العواصف في المنطقة.. يكاد لبنان يغيب عن خارطة الإهتمام ، لكنه كان حاضراً من طرابلس في قلب المملكة العربية السعودية ، حيث تمكنت مبادرة الرئيس توفيق دبوسي من رسم المشهد الحضاري اللائق بالفيحاء واللائق بمملكة الخير والسلام.
 
= أخيراً أظهر الإحتفال باليوم الوطني السعودي في طرابلس أن هناك إرتباطاً عميقاً لدى أبناء الفيحاء والشمال بالمملكة ، لم تسقطه تقلبات الأحوال ولا حملات التشويه ، وهو إرتباط محبة ووطنية حمله العلماء ورجال الدين المسيحيون الذين أموا الحفل مهنئين ومباركين ، وهو لدى المسلمين حبّ بلاد الحرمين الشريفين ومحبة قيادتها الراعية للبنان الوطن والرسالة.
 
أمين عام التحالف المدني الإسلامي