أعادت جلسات المرافعات الختامية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري المشهد السياسي 13 عاماً للوراء، وكأن بيروت افتقدت رفيقها في أمس الأول، وأنشئت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في الأمس. فعاد الاصطفاف السياسي لذروته الأولىالتي شهدها في العام 2005، وانقسم اللبنانيون بين متهمٍ لحزب الله، ومدافعٍ عنه، وشهدت الساحات الافتراضية حروباً ضروس لا تبشر إلا بتصدعٍ داخلي تفوح منه رائحة 7 أيار جديد.

يراقب الشارع السني أداء الحريري ويترقب مواقفه إزاء القرار المرتقب صدوره من المحكمة الدولية خلال أشهر، والذي بات من المؤكد أنه يدين أشخاص منتمين لحزب الله، ويسأل مستقبلي عتيق "هل سيترأس الحريري حكومة فيها حزب الله، في حال أدانت المحكمة الأخير باغتيال والده؟" 

يجيب عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش: "قانون المحكمة الدولة لا يسمح بإدانة منظومات ولا دول، بل يدين فقط اشخاص وأفراد ممن يثبت عليهم التحقيق انهم مشاركين بشكل مباشر بالجريمة، والأغلب أن تكون إدانة حزب الله إدانة سياسية، لا إدانة على المستوى الحقوقي، على اعتبار استنتاج مفاده أن مصطفى بدر الدين القيادي البارز في حزب الله لا يمكن ان يقوم بهكذا عملية من غير تغطية ودعم من الحزب الذي ينتمي له".

أما عما إذا كان سيترأس الحريري حكومة فيها حزب الله يقول علوش في حديثه لـ"ليبانون ديبايت": "عندما سألت الرئيس الحرري عن هذا الموضوع، قال كل وقت له جوابه، وعندما تأتي هذه اللحظة سيتم التصرف معها".

إلا أن الشارع السني الذي أثبت خلال اليومين الماضيين أنه لا زال وفياً للقضية، فالتمس من تصريح الرئيس المكلف سعد الحريري من لاهاي، بأنه مضطر بسبب منصبه أن يضع مشاعره على جنب فيما يخص التعاطي مع حزب الله، أن الحريري لن يتخلى عن رئاسة الحكومة حتى لو بالشراكة مع حزبٍ متهم باغتيال والده.

ويؤكد مصدر مقرب من تيار المستقبل لـ"ليبانون ديبايت" أن الحريري يتجه حتماً للاستمرار بمهادنة حزب الله وإن على حساب دماء والده، وعلى حساب فقدان ما تبقى له من قاعدة شعبية، فالأهم لديه رئاسة الحكومة. و"لطالما كان الحريري على يقين كما الجميع بأن المحكمة ستصل إلى اتهام نهائي يدين أشخاص تابعين لحزب الله باغتيال والده وتشارك معهم في حكومات عدة سابقة".

ويرى المصدر أن الحريري لا يتمنى على المحكمة التي كلّفت لبنان "440 مليون دولار" أن تنهي مرافعاتها لأنه يرى فيها محطة استثمارية ناجحة، أدت إلى إنجاح تيار المستقبل نيابيا في الـ2005، و2009، و2018، وكانت بمثابة مطيّة للوصول للحكم عبر شد عصب الشارع السني الذي ما عاد يعول على مواقف الحريري الابن، الا اذا فاجأهم الأخير بموقف "مُشرّف" عقب صدور الحكم النهائي بقضية اغتيال الرئيس الشهيد، حسب المصدر.

ويكشف المصدر أن الأمانة العامة لتيار المستقبل رفضت بقرار من أمين عام التيار أحمد الحريري تنظيم وقفات شعبية سلمية تضامنية مع المحكمة الدولية، بعد مطالبات شعبية عديدة بها، وذلك لأن "المستقبل لا يريد التصعيد بوجه حزب الله" ما يقدم صورة مسبقة لمواقف الحريري تجاه حزب الله لاحقاً.

وعلى ضفةٍ أخرى، يربط مراقبون للملف السياسي اللبناني تأخر تشكيل الحكومة بالحكم النهائي المتوقع صدوره بعد أشهر من المحكمة الدولية، بقرار سعودي لمواجهة المد السياسي لقوى 8 آذار، على اعتبار أن ادانة حزب الله قد تكسر من نفوذه حكومياً أو يمكن ان تُقصيه عن الحقائب الوزارية، وإن لم يكن كلياً فبعدد الحقائب أو نوعها. بينما يرفض المستقبليون هذا الادعاء ويرون في الصيغ الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري دحضاً واضحاً لهذه "الأقاويل".

وفي هذا السياق يطالب علوش بتوجيه هذا السؤال لرئيس الجمهورية ميشال عون، "لأن الرئيس الحريري قدم تركيبات حكومية عدة نتاج تسويات بين القوى السياسية المحلية ورُفِضت من قبل فخامة الرئيس والتيار الوطني الحر".