قد يؤدي الانفجار إلى حالٍ من التوتر الداخلي تُعطّل كل فرص تأليف الحكومة
 


مَن هو المستهدف بـ«تهديد» الرئيس ميشال عون بعد أوّل أيلول؟ سؤال مطروح في بعض الاوساط، مع انّ الاجابة عليه في منتهى البساطة؛ بالتأكيد أنه لا يستهدف «أهل بيته» في «التيار الوطني الحرّ»، ولا «الثنائي الشيعي» وسائر قوى 8 آذار. فالرسالة موجّهة بالتأكيد إلى الرئيس سعد الحريري و«القوات اللبنانية» والنائب السابق وليد جنبلاط. ولذلك، عمدت القوى الثلاث إلى «القَوْطبة» على «التهديد الرئاسي» ببيانات دعم وترحيب: نحن معك في التسهيل. فتِّش عن المشكلة لدى الآخرين!
أولى العقد التي سيصطدم بها عون، بعد أول أيلول، هي مقدار الصلاحيات التي تخوِّله دفع الرئيس المكلّف إلى تأليف الحكومة سريعاً.


الدستور لا يحدّد، مهلة زمنية يلتزمها الرئيس المكلّف، لتأليف الحكومة. وليس هناك مجال، لا في الدستور ولا في العرف، لممارسة ضغط يجبره على إنجاز مهمته في مهلة معينة، ولو بواسطة عريضة نيابية تحمل تواقيع ثلثي أعضاء المجلس أو أكثر.


فقط، يمكن لرئيس الجمهورية أن يقنع الرئيس المكلّف بأنّ المصلحة الوطنية باتت تقتضي وجود حكومة فاعلة وقادرة على مواكبة التحديات. وفي هذه الحال، يكون «الاقتناع» استنسابياً. ويقال إنّ الحريري يجهّز أسئلة لرئيس الجمهورية، ومنها: كيف تعتبرون أنّ تسيير البلد بحكومة تصريف أعمال لـ3 أشهر هو أمر يهدّد المصلحة الوطنية، فيما بقاء البلد من دون رئيس للجمهورية، لعامين وبضعة أشهر، لا يهدِّد مصالح البلد ولا استقراره؟


فوق ذلك، يقول المتابعون: إذا طلب رئيس الجمهورية من الرئيس المكلّف التزام مهلة «منطقية» لتأليف الحكومة، فإنه سيفتح باباً على جدل دستوري كبير: مَن هو المولج دستورياً تأليف الحكومة: الرئيس المكلّف وحده أم هو ورئيس الجمهورية معاً؟


إذا كان الرئيس المكلَّف هو المولج وحده، فإنّ دور رئيس الجمهورية يكون فقط التوقيع على مرسوم التشكيلة التي يقدِّمها إليه من دون أن يتدخّل فيها، ومن أن يبدي أيّ اعتراض عليها. وفي هذه الحال، يكون الرئيس المكلّف مسؤولاً عن عملية التأليف بوجوهها كافة: الأوزان السياسية والأسماء والحقائب، والبرنامج السياسي، وطبعاً المهلة التي يستغرقها التأليف.


لكنّ الرئيس عون يرفض هذا التفسير للدستور، ويقول: رئيس الجمهورية ليس مجرد صندوق بريد تمرّ من خلاله عملية التأليف. وتوقيعه على مرسوم التشكيلة يعني أن له رأيه الذي لا يمكن تجاوزه. فإذا تقدّم الرئيس المكلّف إليه بتشكيلة مكتوبة لم يقتنع بها فإنه يرفضها ويطلب منه استمرار السعي حتى إنجاز تشكيلة «مُقْنِعة».


في هذه الحال، يكون الرئيس شريكاً في التأليف. وعندئذٍ يتعذَّر عليه مطالبة الرئيس المكلّف بالتزام مهلة للتأليف. ويمكن للحريري أن يتقدّم بصيغة حكومية مكتوبة تنسجم مع رؤيته، ولو خالفت رؤية عون. وعندما يرفضها رئيس الجمهورية سيقول له الحريري: أنت المسؤول عن تأخير ولادة الحكومة يا فخامة الرئيس، ولستُ أنا!


إذاً، في أيلول، سيكون صعباً على عون أن «يحاسب» الحريري على تأخّر التأليف، سواءٌ سياسياً أو دستورياً، ما دام يعتبر نفسَه شريكاً في صناعة الحكومة لا مجرّد صندوق بريد. إضافة إلى ذلك، توحي أجواء القوى السنّية، السياسية والدينية بدءاً بدار الفتوى، بأنها في صدد الدفاع عن رئيس الحكومة في مواجهة الحملة المنتظرة.


وفي الموازاة، تبلّغ الحريري من قوى دولية وعربية حليفة أنها تقف معه في مواجهة الحملة. فالتشكيلة الحكومية الموعودة ستترجم توازن القوى بين المحاور الإقليمية، وتحديداً بين طهران وخصومها.


في أذهان البعض أنّ الورقة الأفعل لدفع الحريري إلى التأليف هي تحريك الشارع المحتقن اجتماعياً واقتصادياً. وهذه الفكرة نوقشت في أوساط 8 آذار، ولكن تمّ التخلّي عنها للأسباب الآتية:

1- إنّ الاحتقان الاجتماعي- السياسي- الاقتصادي قد يتحوّل احتقاناً طائفياً- مذهبياً في أيّ لحظة، ولا يمكن المغامرة في هذا المجال.


2- قد يؤدي الانفجار إلى حالٍ من التوتر الداخلي تُعطّل كل فرص تأليف الحكومة، ومعها يطير الاستقرار. وسيكون ذلك ضربة جديدة لمسيرة العهد.


3- يحرص عون على بقاء الحريري رئيساً مكلّفاً، وعلى استمرار التسوية المعقودة معه في العام 2016. وهو يعرف أنّ الحريري نفسه يبادله الرغبة في الحفاظ على التسوية. ولذلك، يعتقد عون أنّ الأزمة الحكومية ستنتهي عاجلاً أو آجلاً وفق ما يرام، ولا داعي لمواجهتها برفع السقف.


وأما حجم الضغط الذي سيمارَس على «القوات» وجنبلاط فيبقى محدوداً ما دام الحريري يأخذ على عاتقه توفير الحماية لهذين الطرفين، بدعم من قوى عربية نافذة، وما دامت لكل من الطرفين مبرّرات موضوعية يتمسّك بها.


إذاً، لماذا هدّد عون بـ«كلام آخر» بعد أول أيلول؟

المطلعون يقولون: لم يخطئ الرئيس. هو أشار إلى «كلام» آخر، أي إنّ الضغط الذي سيمارسه سيكون معنوياً، أي من نوع الكلام. فهو سيتوجّه على الأرجح إلى كل القوى المعنية، ولاسيما الرئيس المكلّف، بدعوة حارّة إلى حسم الأمور وتحمّل المسؤولية في مواجهة الظروف الصعبة التي تقتضي وجود حكومة فاعلة.


وعلى الأرجح، ما يُحكى عن «خطة ب» قد يعتمدها عون في أيلول، لن تكون بمضمونها مختلفة عن «الخطة أ» التي يعتمدها حالياً، والتي لا تتجاوز ممارسة الضغط المعنوي من موقع الرئاسة. فـ«لا شيء معي إلّا كلمات». وعلى الأرجح، لن تكون الخطة المقبلة أكثر فاعلية من سابقتها. لكنّ الرئيس أراد، بتحديد موعد أول أيلول، إحداث تأثير معنوي على القوى الداخلية ذات الشأن.


لذلك، يقول البعض، ما بعد أول أيلول لن يختلف عمّا قبله. وستبقى الكلمة الأساس في ملف تأليف الحكومة رهناً بالقوى الخارجية. فهي التي توعز إلى حلفائها في الداخل بالتصعيد أو التسهيل، وفقاً لمصالح هذا المحور الإقليمي أو ذاك.