يا سيد حبيب: أهلاً بك، إخلع ثوبك اللاهوتي الذي تتنعّم به، وتعال لنشقى معاً في متاهات العدالة والمساواة والمُواطنة وحقوق الإنسان والسلام والطّهر والعفافث
 

أولاً: الجهل بظاهرة الكتاب المُوحى...

في مقابلة على قناة الOTV التلفزيونية للسيد حبيب افرام رئيس الرابطة السريانية في لبنان يتطرق فيها إلى عدم المساواة بين الشعوب من مدلول الآية القرآنية(وكنتم خير أُمّةٍ أُخرجت للناس)، يذكر افرام الآية ناقصة ومبتورة، فهي تقرُن الأمّة الخيرة بقوله تعالى (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، إلاّ أنّ خطأ افرام الجسيم لا يظهر في بتر الآية، بل في جهله التام لظاهرة الكتاب الموحى من الله، فالتوراة والاناجيل والقرآن أصبحت كتُباً كونية لأنّها بلورت رؤيا خاصّة عن الألوهة، وعن مكانة الإنسان ورسالته في مواجهة فاعلة مع إلهٍ حيٍّ ومتعال، وأرست تعاليم سماوية تتمحور حول الكلام المتعالي والمقدّس والمعياري : الله، الله هو الذي يقول الحقيقة-القانون للبشر، الله هو الذي يوحي، والوحي يشتغل كخطاب ترميزي مفتوح ومُنفتح للوجود البشري، بخلاف القوانين الفقهية-القضائية التي بُلورت مع قيام الامبراطوريات والدول المركزية، هذه القوانين الفقهية هي التي تشتغل عليها الأصوليات الدينية، فتُحوّل الخطاب الديني المفتوح إلى أصل يُوجّه الفكر البشري ويتلوه الفعل إلى وجهة خاصّة غالباً ما ترتبط بالعنف، ونبذ الآخر وتحقيره وتكفيره و"الجهاد" في سبيل قطع دابره واستئصاله، يقول في هذا الصدّد المفكّر الراحل محمد أركون: عندما يقوم اليهودي أو المسيحي أو المسلم بانتزاع أية من كتابه المقدس، (أو من كتاب مُخالفه كحالة افرام) ويستشهد بها فهو يساهم في عملية تحويل الخطاب الديني المفتوح إلى أصل "بشري" ذي وجهة دنيوية، ذلك أنّ عملية الاستشهاد تعزل الآية عن سياقها اللغوي الذي يُحيط بالآية المعنية، بل والأخطر من ذلك، عزل الآية عن المقصد "الثوري" لكلّ تدخل نبوي داخل سياق تاريخي وثقافي مُحدّد تماماً، وبهذه الطريقة تمّ على التوالي تبرير الدول الامبراطورية والأنظمة الملكية المرتكزة على الحقّ الإلهي، وما نشهده هذه الأيام من تكاثر التنظيمات الأصولية الإرهابية والتّكفيرية.

ثانياً: السيد افرام خارج العصر...

يبدو أنّ السيد افرام خارج عصره، بالمعنى السّلبي، فهو ما زال يعتقد أنّ عقل الفكر اللاهوتي التوحيدي يستطيع أن يتصدّى لما عجز عنه حتى الآن عقل "الأنوار" فيما يختصّ ب"الديمقراطية" و"حقوق الإنسان والمواطن" وحقوق الشعوب لتقرير مصيرها، ومعاملة الأجنبي والأقليات ، ودولة الحقوق والقانون.

يا سيد حبيب: أهلاً بك، إخلع ثوبك اللاهوتي الذي تتنعّم به، وتعال لنشقى معاً في متاهات العدالة والمساواة والمُواطنة وحقوق الإنسان والسلام والطّهر والعفاف، وقديماً قال الشاعر:

ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله 

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ.