الدماغ هو في حركة دائمة، كيف لا وهو لا يتوقف للحظة عن القلق بشأن المواعيد النهائية، وتقييم أداء صاحبه أو الآخرين... غير أنّ القيام بتمارين التأمل يدرّب الدماغ على تركيز الوعي على الحاضر. هذا النوع من الهدوء لا يؤمّن الشعور بحال جيدة فحسب، إنما تبيّن أيضاً أنه مفيد للصحّة.
 

أوصى الخبراء جميع الأشخاص، بما فيهم المرضى، بتعلّم تقنيات التأمل وممارستها بانتظام، خصوصاً أنها خالية من الانعكاسات السلبية والأهمّ أنها غير مُكلفة إطلاقاً.

تعرّفوا اليوم إلى فوائد التأمل التي تؤثّر في الجسم من الداخل إلى الخارج:

تحسين الصحّة العقلية


أقوى رابط بين التأمل والصحّة العامة هو قدرته على خفض التوتر الذي يُعتبر من أخطر العوامل المحفّزة لمشكلات جدّية تشمل أمراض القلب، والبدانة. الخبر الجيّد أنّ التأمل يعزّز المزاج. إستناداً إلى دراسة نُشرت في «JAMA Internal Medicine»، خلُص باحثون من جامعة «جونز هوبكنز» إلى أنّ برامج التأمل قد تساعد على تحسين القلق. ناهيك عن أنّ التأمّل الطويل المدى يساهم في قمع خطر الكآبة أو معالجتها في حال معاناتها أساساً، ويُرجّح أنه يملك تأثيراً إيجابياً على كيمياء الدماغ. كذلك، تبيّن لهم أنّ هذه التمارين تكبح إفراز مواد «Cytokines» الكيماوية الالتهابية التي تغيّر المزاج وقد تسبّب ظهور الكآبة مع الوقت.

خفض الالتهاب


الالتهاب المُزمن يسبّب تغييرات هيكلية في الجسم رُبطت بعدة أمراض مُزمنة كالسرطان، والسكري، والألزهايمر، ومتلازمة القولون العصبي. لكن يبدو أنّ التأمل قد يساعد على تخفيف هذه الآثار المُدمّرة. في دراسة نُشرت في مجلّة «Brain, Behavior, and Immunity»، طلب الباحثون من المشاركين بالانخراط في تمارين التأمل أو في برنامج تحسين الصحّة العامة. وبعد مرور 8 أسابيع، إستخدموا كريماً معيّناً لتحفيز الاستجابة الالتهابية على بشرتهم، ببساطة لأنه من السهل أكثر اختبار البشرة بدل الدماغ. وتبيّن لهم أنّ الذين مارسوا التأمل انخفضت لديهم الاستجابة الالتهابية بشكل ملحوظ مقارنةً بنظرائهم الذين لم يقوموا بالمثل، ما يعني أنّ التأمل قد يقلّص الالتهاب المُزمن في الجسم.

التحكّم في الشهيّة


بحسب بحث صدر في «Journal of Behavioral Medicine»، إبتكر العلماء تطبيقاً مخصّصاً لاستخدام عناصر التأمل والوعي لخفض الشهيّة. ولمدة 28 يوماً، قامت مجموعة من البدناء وأصحاب الوزن الزائد بالتأمل مدة 10 دقائق. وتبيّن أنهم خفّضوا شهيّتهم على الأكل بنسبة 40 في المئة. في الواقع، يساعد التركيز الكامل للذهن على جلب الوعي الفضولي للتجربة الفعلية للرغبة الشديدة في الحصول على أمر ما، وبذلك لا يتم الوقوع ضحيّتها.

تعزيز أداء الدماغ


توصلت دراسة نُشرت في «Psychological Science» إلى أنّ تدريب التأمل لمدة أسبوعين قد حسّن درجات اختبار الفهم والقراءة للمشاركين، مقارنةً بالمجموعة التي تمّ التحكّم فيها. تبيّن أنّ التأمل اليقِظ يخفّض العقل الشارد ويحسّن الأداء الإدراكي. وقد وجد بحث آخر أنّ التأمل لـ40 دقيقة يومياً مدة شهرين فقط كان كافياً لزيادة حجم الدماغ في المناطق المرتبطة بالتوتر، والتعلم، والذاكرة، والتعاطف، والانطباع، ما يجعل الأشخاص أفضل في بعض المهام المعرفية.

محاربة الشيخوخة المُبكرة


من المعلوم أنّ التوتر غير المتحكم فيه هو من أقوى أسباب الشيخوخة، ويرفع خطر أمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسرطان. إستناداً إلى بحث نُشر في «Translational Psychiatry»، طلب الباحثون من 102 امرأة تمضية 6 أيام في مكان للاسترخاء والانخراط في برنامج للتأمل فقط لا غير. ومقارنةً بالدماء المسحوبة قبل انخراط النساء في هذا النشاط، بيّنت عيّنات الدم نهاية فترة الراحة تحسّنات في المؤشرات الحيوية المرتبطة بالشيخوخة. وفي حين أنّ السبب الدقيق غير واضح بعد، لكن ما هو معلوم أنّ التأمل يعمل من خلال خفض تأثير التوتر في الشيخوخة.

درء الزكام


إستناداً إلى بحث نُشر في «Annals of Family Medicine»، قسّم الباحثون 150 مشاركاً يبلغون 50 عاماً وما فوق إلى إحدى المجموعات التالية: تدريب التأمل اليقِظ، أو التمارين المعتدلة الكثافة، أو مجموعة التحكم. وتبيّن أنّ التأمل والرياضة تمكّنا من خفض احتمال تعرّض المشاركين للزكام مقارنةً بمجموعة التحكم، كما أنهم اكتفوا بأخذ نصف عدد الأيام المرضية التي حصل عليها الأشخاص في المجموعة المسيطر عليها طوال فترة الدراسة. مرّة أخرى يتبيّن أنّ الفضل يرجع إلى الآثار المُهدِّئة بما أنّ التوتر يعوق قدرة الجهاز المناعي على محاربة العدوى.