يدرك كثير من اللبنانيين ان انتظار تشكيل حكومة العهد الثانية سيطول، في ظل التعقيدات التي تتنامى يوما بعد يوم، وعجز القوى السياسية المحلية عن إيجاد الحلول بفعل ارتباطاتها والتزاماتها الإقليمية والدولية ما يجعل كل اللقاءات التي تعقد بين عرابي التأليف هي لشراء الوقت والضحك على الذقون، بانتظار حدث ما في المنطقة يعيد خلط الأوراق ويمنح لبنان فرصة اختلاس تشكيل الحكومة العتيدة.

اللافت ان احدا من التيارات السياسية لا يتصرف وفق أية منظومة وطنية، بهدف النهوض بالبلد من خلال تنفيذ الاصلاحات التي من شأنها أن تؤدي الى الإنقاذ المنشود، وأيضا الى نجاح العهد، بل إن الجميع يسعى الى تحقيق مصالحه ومكاسبه والى تحصين نفسه والى امتلاك أوراق الضغط التي تجعله حاضرا وفاعلا ومؤثرا في اللعبة الداخلية.

بات واضحا ان العهد لم يعد يتعاطى على أساس انه حاضن وحامي كل اللبنانيين وفق شعار ″بي الكل″ الذي اتخذه الرئيس ميشال عون لنفسه غداة انتخابه، بل إن عون ومعه رئيس التيار الوطني الحر صهره النائب جبران باسيل دخلا في لعبة تقاسم الحصص، وصولا الى المطالبة بالثلث الضامن في الحكومة الحريرية التي سيترأس عون جلساتها، الامر الذي يشكل عقدة العقد مسيحيا، خصوصا ان هذا الثلث سيكون على حساب حصة القوات اللبنانية وغيرها من الأطراف المسيحية التي تطالب بتمثيلها في الحكومة نسبيا بحسب الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات النيابية.

وتقول مصادر سياسية مطلعة: ″ان أركان العهد بمجرد سعيهم وراء حصة حكومية، يكونوا قد تنازلوا تلقائيا عن العهد، تماما كمن يطلق النار على قدميه، خصوصا ان العهد هو المتضرر الأكبر من كل يوم تأخير إضافي في تشكيل الحكومة، لان التاريخ سيذكر هذا التعثر وعدم القدرة على استخدام حضور وقوة رئيس الجمهورية في تدوير الزوايا وحل العقد وتشكيل حكومة تسير بالبلد الى بر الأمان″.

تمسك العهد بمطالبه، يضع الرئيس المكلف سعد الحريري في ″خانة إليك″، فلا هو قادر على الخروج من التزامه وتحالفه مع العهد وفريقه السياسي لان ذلك من شأنه ان يطيح بطموحاته الحكومية، ولا هو قادر على اثارة حفيظة القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي لان ذلك من شأنه ان ينزل الغضب السعودي عليه، وفي نفس الوقت لا يستطيع محور العهد سحب التكليف من الحريري لانه يتحصن بالدستور ويقف على ارضية سنية صلبة قوامها رؤساء الحكومات السابقين الداعمين لمهمته وفي مقدمتهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي يأخذ على عاتقه حماية منصب رئيس الحكومة والدفاع عن الطائف، ولا هو قادر (اَي محور العهد) على احراج الحريري لإخراجه كونه يشكل ضرورة للجميع في الوقت الراهن.

في غضون ذلك تصر القوات اللبنانية على تمسكها بحصتها الوزارية، وهي في حال نجحت في الحصول عليها فإنها تكون قد حققت انجازا سياسيا كبيرا، وفي حال استمر تعثر تشكيل الحكومة فإن خصمها التاريخي وحليفها اللدود بعد تفاهم معراب التيار الوطني الحر سيتعرض لمزيد من الخسائر على المستويين الوطني والشعبي، ويشارك القوات في ذلك الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يسعى الى التفرد بالوزراء الدروز، في حين ينام الثنائي الشيعي على حرير، بانتظار تفاهم سائر الأطراف على صيغة حكومية معينة، من المؤكد انه يمتلك فيها حق ″الفيتو″ كونه الاقوى على الساحة اللبنانية.

يقول متابعون: إن الرئيس سعد الحريري كان سيء المزاج في احتفال عيد الجيش الى حدود الغضب والتعب، ما يؤكد ان كل المفاوضات والمشاورات وما أنتجته من صيغ حكومية على مدار سبعين يوما قد تلاشت او ربما باءت بالفشل ما سيضطره للعودة مجددا الى المربع الاول.