رفاقي العسكريين، 
أتيتم من كل بقعةٍ طيبة من لبنان، في وجوهكم رائحة الأرض الغالية، وفي قلوبكم إيمانكم وإيمان أهلكم بأن الخلاص هو في جيشكم، جيش الوحدة الوطنية اللبنانية والسلم الأهلي.
أنتم اليوم تزيّنون بلون الأرز مساحات انتشار وحداتكم وحواجزكم، تصنعون الأمن والفرح من خبايا التّعب والعرق ولفح البرد وغضب الثلج وحبال المطر... أتيتم من كل لبنان، من القلب إلى القلب، من وجدان أهلنا الطيبين وكروم العنب وبساتين الليمون والتفاح وحقول الزرع ولهاث المحراث وشتول التبغ في قرانا الغالية، أتيتم للقيام بمهامٍ «أمنية – اجتماعية» في شرايين الوطن.
ماذا زرعتم؟ ماذا حصدتم وماذا ستحصدون؟
ذهبتم إلى كل لبنان بعد العام 2000 بعد طول غربةٍ .. ذهبتم وفي تراب قلبكم حنين الأرض حيث التبغ على السواعد بخّور الهياكل.. ذهبتم لمنع تكرار رواسب «الأمن السائب» و«الحدود الفلتانة». ذهبتم للقول: «نحن أصحاب البيت وصاحب البيت أدرى باللي فيه».
كنتم وما زلتم نداء كل الوطن وحبات زمهريره ولفح الخنادق.. هدفكم صدّ ومجابهة مهدّدات أربع: العدو الصهيوني، الارهاب الذي قد يضرب مجددا وفق مبررات جديدة ومصالح محاور اقليمية أو دولية محددة، السلاح المنتشر عشوائيا بين السكان، وكل المهددات الداخلية والخارجية الطارئة على اختلافها وذرائعها التي قد تحاك في أروقة «المعادلات الدولية».. والماضي ما يزال كأساً ماثلاً في الذاكرة مرّ المذاق.
أنتم اليوم تقاومون وتمنعون تجربة «الرزق السائب» الذي «علّم الارهاب والعدو الصهيوني الحرام»... ومواقع انتشاركم تصنع الأمان والعيد الدائم لأهلنا. فالأمن هو المناخ الحقيقي للأعياد، ولا أعياد في رائحة البارود والدم ، وليس أكثر مرارةً من دمٍ يراق في شوارع الوطن بدل حدوده.
رفاقي، ماذا نريد في عيد الجيش وكل ايام السنة؟
 نريد أن نكون نموذجاً يصنع مستقبلٍا يفرض فيه جيشنا القانون الوطني في الداخل والقانون الدولي على الحدود. جيش يسانده شعب الوطن، كل الوطن، ويحبّه ويمنحه ثقته.. جيش لبنان الواحد لكل أبنائه وفئاته ومناطقه. فالجيش والشعب صنوان. واعلموا أن هناك تلازما بين توجيه الجيش وتوجيه الشعب، بين تأهيل الأول وتوعية الثاني، فعرق الواحد يصنع نجاحات الآخر... فكما مارسنا ونمارس عملية توجيه الجيش بوطنية صادقة، علينا بل من واجبنا أن نطلب من القيادات السياسية، مهما علا شأنها، ومن الفاعليات المدنية، أن تعمل على التوجيه الوطني لجماهير الشعب المتعدّدة.. فلا قوّة لجيشٍ خلفه شعب مفكّك، وان قوة الرأي العام الوطني حلقات مترابطة لا تنفصل: حلقة القيادات السياسية، حلقة المؤسسات الأهلية وحلقة الجيش.
رفيقي العسكري، إن الذي يملك السلاح في ساح المعركة ويفتقد وضوح الرؤية يمنعه الضباب من تحريك سلاحه.
أتوجه إليك من القلب إلى القلب، من جوار الشمس في بقاعنا إلى وردة جورية في سفح جبلنا وشاطئنا، من نسمة شمالية لفحت وجه حبيبة جنوبية وأقول: نحن اليوم نقوم بمهام أمنية - اجتماعية في شرايين الوطن وتحمي أرضا غالية تم تحريرها من صهيونية وارهاب، وتؤمن السلام للجميع، أهلك، والأمان لأخوتك و«ناسك» وكل أبناء «ربعك». لماذا أقول مهمة اجتماعية؟ الواقع والمنطق وتاريخ أزمتنا وكل ما مرَّ علي وعليك وعلينا جميعاً يدل على عمق الأزمة الاجتماعية التي عصفت بأهلنا و«ناسنا» و«مين إلنا»، مما سمح للفتنة بالتسلل والإيقاع بيننا. وانفجرت الحروب والأزمات نتيجة غياب الثقافة التربوية الوطنية.
نريد أن نكون للجميع بدون استثناء أو تفضيل. فالكل دافع عن لبنان، الكل طيبون. فكن أنت والبندقية في خدمة المواطن. عامله بتجرد وعدل، بل خذ قوتك من قوة العدل والقانون والانسانية. دع المحبة تتربع في قلبك، محبة الجميع بدون تمييز، و«اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك».
وماذا نريد أيضاً في الأول من آب وكل ايام السنة؟
نريد أن يكون ظهرنا آمنا قويا بدعم أهلنا من دون خوف من خيانة أو خداع او طعن في الظهر، نريد أن نطل على أهلنا عبر الحاجز الذي تقيمه أنت، فليكن حاجز ثقة وأمان ومحبة، بندقية الحاجز تظلل الجميع، فوهتها باتجاه الشر الذي يتربص بالجميع. حاذر الغضب المتسلط، وكن في الوقت ذاته حازماً بعقل، أباً وأخاً وابناً لكل «الأودام» الذي يمرون تحت «بنديرة» حاجزك.
نريد أن نعتبر وجودنا في الأحياء الآهلة بالسكان كوجودنا في بيوتنا. فالحي الذي تتمركز فيه هو بيتك، وأهل الحي هم أهلك و«ناسك» وبيوت الحي هي «ساترة» عرضك وشرفك، فصنها بالمعاملة الحسنة والحديث الشريف يقول: معاملة الناس عبادة...
وماذا نريد أيضاً؟
نريد أن تكون المهمة هي حق أهلنا علينا، فعلى المواطن واجب الاستجابة لإجراءاتنا وله الحق في الاحترام والكرامة. كرامته من كرامة مهمتنا. فالدين لله والمهمة للجميع، ومن عضه الثعبان يخاف من الحبل، فحذار من إفرازات الحرب وترسباتها أن تعود وتبرز عبر حناجر موتورة.
«إن المسؤولية هي على عاتق الجميع بدون استثناء». فكما تكون رصاصتك الهادفة هي رصاصة كل الجيش، كذلك ستكون الطائشة هي رصاصة كل الجيش. و«اللي بيطلع من جلده بيبرد». فاعلم أن جلدك وجلدنا هو الوطن لبنان. والزورق هو زورق الوطن كله، والهيكل هو هيكل الجميع. الفتنة خط أحمر. وحدتكم هي الضمان الحقيقي لبقاء الوطن والجمهورية.
وأخيراً لا آخرا، ماذا نريد في عيد الجيش وكل ايام السنة؟
نريد أن نؤكد أن العدل باق. فإذا عدلت فليكن عدلك سريعاً قاطعاً حازماً غير موارب من دون «تمسيح الذقون أو تمشيطها». ولتعلم أن العدل البطيء هو ظلم مستعجل.
ضع يدك في يد رفيقك وقل له: نحن الضمانة، لنا السيادة والحرية والكرامة.
نريد الولاء للوطن لبنان، الولاء للجيش، 
الولاء هو القطب والمدار والاستواء، هو القضية الأولى والوسطى والأخيرة.

(*) أستاذ جامعي. رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام. عميد ركن سابق في الجيش اللبناني.

الدكتور العميدالمتقاعد علي عواد