أين وكيف ومتى يتمكن العراقيون العلماء والخبراء والفنانون المتنورون الشرفاء الذين تخلصوا من أدران الطائفية والعنصرية والتطرف والتخلف والخيانة والفساد، من أن ينتزعوا نصيبهم في قيادة شعبهم نحو شواطئ الخلاص.
 

إن من حق المواطن العراقي المتجرد من طائفيته وعنصريته، والمتمسك بهويته الوطنية العراقية، والمُنقّى من الأنانية الشخصية والحزبية والقبلية، أن يشعر بالحزن والكآبة والقنوط والتعاسة حين يرى هذا التناطح المفتعل بين سياسيين يحرصون على جعله يبدو وكأنه صراع بين طائفة وطائفة، وبين قومية وأخرى، وهم أصلا متفاهمون، متناغمون في ما بينهم، ويحتاج بعضهم لطائفية البعض الآخر، ولعنصرية البعض الثالث، ليأخذ كل ذي حصة حصته على طاولة الوليمة، ولكن كلٌ حسب قوَّته العسكرية أو المالية أو القبلية، وقبل كل شيء وبعده، حسب نصيبه من حماية هذه الدولة أو تلك من الدول الصديقة والشقيقة التي يعمل لها وكيلا مُخبرا، وعلى قاعدة “تشوفني بعين أشوفك باثنين”.

والحقيقة أن أحدا لن يستطيع أن يضع يده على فرق، ولو كان بحجم الإبرة، بين واحد شيعي وآخر سني وثالث كردي من حكام الزمن الرديء الحالي. فهم جميعا متشابهون متكاملون ومتفقون ودون جدال على، أولا، أن يحتكر حبايب إيران صلاحية النيابة العامة المطلقة عن الطائفة الشيعية العراقية دون شريك.

ثانيا، أن تبقى في قبضة مسعود البارزاني وجلال الطالباني وباقي الأحزاب الكردستانية كامل حصة الشعب الكردي من الوليمة، حتى وإن تشرذموا وتنابزوا بالألقاب، وصار كل رفيقٍ منهم يتهم رفيقه بالخيانة والفشل والفساد.

ثالثا، على منح مِلكية تمثيل الطائفة السنية للأقوى والأغنى والذي يفوز في مزادات بيع وشراء المناصب الوزارية والنيابية  في المؤتمرات السنية التي تُعقد خارج الوطن بشكل خاص، بغض النظر عن مصدر أمواله وجدارته ونظافة يده وقلبه ولسانه، وحتى لو ثبت بالوجه الشرعي أن التي تدفع له المكافآت والأجور ورواتب الخدم والحشم هي إمارة تميم بن حمد، ما غيرُه، وأن التي تحضُنه وتُسهّل له سبل استثمار أمواله هي تركيا أردوغان.

ويبدو أن المواطن العراقي قد تم ترويضه حتى صار لا حول له ولا قوة على القبول بالعيش في دولة تحكمها وتقرر مصيرها وتصنع حاضرها وترسم مستقبلها حفنةٌ من سياسيين تجمّعت فيهم بلاوي الدنيا كلها، من سرقة واختلاس وابتزاز ونفاق ونصب واحتيال وتزوير وتلفيق وغدر واعتداء وتخابر مع الخارج علنا وبلا خوف ولا حياء.

ويأتي هذا الحديث تعليقا على مؤتمر السياسيين السنّة الذي عقدوه في إسطنبول بتمويل قطري ورعاية تركية أردوغانية، في محاولة لتأسيس كيان سني طائفي يوحّد الحاصلين السابقين على بطاقة الدخول إلى نادي حكام المنطقة الخضراء، مع الراغبين الجدد في الحصول على ما حصل عليه رفاقهم في الحكومات السابقة، من ألقاب رئاسية ووزارية ونيابية تدرّ عليهم المزيد من اللبن الحرام.

والسؤال الذي ينبغي أن يُسأل هنا، أين وكيف ومتى سوف يتمكن العراقيون العلماء والخبراء والأدباء والشعراء والفنانون المتحضرون المتنورون المتعلمون النزيهون الشرفاء الذين تخلصوا من أدران الطائفية والعنصرية والتطرف والتخلف والعمالة والخيانة والفساد، من أن ينتزعوا نصيبهم في قيادة شعبهم نحو شواطئ الخلاص؟

حتى أميركا التي تمنى عراقيون ديمقراطيون كثيرون أن تكون، بعد خراب خمسَ عشرة سنة دامية ومحزنة ومؤسفة، قد فهمت مشكلة العراق أخيرا، وآمنت مثلنا بأن المحاصصة الطائفية والعنصرية هي أصل كل بلاء، ثم قررت أن تكفّر عن ذنوبها السابقة فتعاون شعبنا على الخلاص من حَمَلة الأقنعة الطائفية والعنصرية، حكامِ دولة الوقت الضائع التي صنعها بول بريمر، نُفاجأ أخيرا بخبرٍ صحافي يقول إن “بريت ماكغورك مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ناقش مع رئيس البرلمان السابق والقيادي (السني) سليم الجبوري جهود الكتل السياسية الرامية إلى تشكيل الحكومة المقبلة وملف الانتخابات وإجراءات العد والفرز اليدويين والنتائج التي ستتمخض عنها”. وأنه أكد أن “الولايات المتحدة ترغب في تشكيل حكومة عراقية تضم جميع المكونات الاجتماعية من (الشيعة والسنة والأكراد) وبعض الأقليات”.

إذن فهذه هي أميركا، “مثل ما رحتي مثل ما جيتي”، لم تزل ترى العراقيين شيعة وسنة وأكرادا، ولم تزل ترى أن الذين كانوا أصل كل خراب قادرون على إصلاح أي خراب.

وها هي أيضا ما تزال تتزاور مع السياسيين الفاسدين، وتطالبهم بأن يمنعوا إيران من التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وهي تعلم بأنهم موظفون لدى “جمهورية إسلامي إيران”، شيعة وسنة وأكرادا، يكسبون رزقهم منها أو من حكومات تدور في فلكها كدولة قطر، أو تتقاسم معها جهاد التبشير بالخلافة الإسلامية كتركيا أردوغان. ولله في خلقه شؤون.