خضعت السياسة الأميركية، وخصوصاً بعد وصول ترامب الى رئاسة الدولة، الى تعديلات وتغيُّرات عدة حيال قضيّة الشرق الأوسط ودور أميركا في خضمّ الصراعات العاصفة في المنطقة. فالإدارات السابقة ومنها إدارة الرئيس أوباما اتّسمت بمواقف خجولة وغير حازمة أضحت بتزايد نفوذ روسيا وحلفائها في المنطقة وتراجع ملحوظ للتأثير الغربيّ عموماً والأميركي خصوصاً. منذ نتخاب الزعيم اليمينيّ، تُلوَّح في الأفق مشاريع وقرارات هزّت المِنطقة بأسرها، منها انسحاب الولايات المتّحدة من الإتّفاق النووي مع ايران والأهمّ والأخطر هو ما سمّي بصفقة القرن المنويّ منها حلّ دائم للصراع العربي- الإسرائيلي في الأيّام القليلة السّابقة لُوحِظ تطوّر مهمّ في هذا الملف وهو زيارة الأمير وليم الى إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة، فمنذ تأسيس الدولة اليهوديّة لم تُرسل العائلة المالكة أحدًا من أعضائها الى إسرائيل، حفاظاً على دور بريطانيا الحياديّ في هذه المسألة. هذا الأمر مثير للتهكّم ومملوء بالتناقضات، فكيف لحكومة صاحبة الجلالة أن تُعلن حيادها في هذا الملف وهي التي، عام 1948، سمحت للجمعيّة الصهيونيّة إنشاء دولة إسرائيل وتهجير ملايين الفلسطينيين من أراضيهم بفترة عُرِفت بالنكبة. عودة الى السياسة "الترامبيّة" بإبرام الصفقات المُدهشة التي يمكن وصفها بالتجاريّة، فالظاهر أنّ رجل الأعمال الفائق الثراء لم يفهم أُسس اللعبة السياسيّة ولم يدرك تداعيات قراراته فهو لخّص دوره بنقل عقليّة البيع والشراء من عالم الأعمال الى عالم السّياسة جامعاً بذلك نقيضين لا يلتقيان. اللافت هو الكمّ من المواقف والنظريات المتطرفة والعنصريّة التي حوّلت جمهورية الحرّيّات الى شبه دكتاتوريّة يتفرّد فيها بالقرار بدون الرجوع الى الرأي العام أو السماع لنصائح الاختصاصيين. "صفقة القرن" الذي يريد ترامب من خلالها، وبسحر ساحر، حلّ المُعضلة العربية- الإسرائيلية لم تتلقَّ سوى بعض المواقف المستنكِرة ولكن الأبرز هي اللامبالاة في الأوساط العربيّة حيال هذه الصفقة ممّا يولّد عندنا شكوكًا بمشاركة بعض الدول العربيّة في هذا المخطّط المُشين والهمجي وتغاضيهم عمداً عن الرد. المجتمع الدوليّ كلّه يعي طبيعة العلاقة الممتازة بين ترامب وقياديين عرب كبار بالتحديد علاقته مع الأمير محمد بن سلمان الذي يشكّل معه ثنائيّة تهدُف الى إعادة نفوذ الولايات المتّحدة وحليفتها السعودية الى سابق عهدها، بدحر الخطر الإيرانيّ المحدق بالمنطقة. ما لا يريد فهمه العرب هو أخطر من الامتداد الفارسيّ ألا وهو الدولة العبريّة وسياستها الصهيونّية التوسعيّة المعادية للعرب  

ولتقدّمهم. هذا الخطر معشّش في منطقتنا منذ عقود طويلة بدون أن يستدعي أيّ نوع من التأهّب. في حين نحن نلهو بالتقاتل لمصالح الدول الكبرى التي زرعت بيننا الخِصام، كانت إسرائيل تُنجز شيئًا فشيئًا مشروعَها الصهيونيّ بدون التفات العرب لردعها. إدارة ترامب اليوم فعلت ما لم يجرؤ سابقوها على فعله، ونقلت بخطوة مهينة سفارتها الى القدس معترفة بالمدينة المقدّسة عاصمة لإسرائيل معدمةً بذلك كل مساعي السلام.

ألا تكفي هذه الحادثة لدقّ جرس الإنذار عند العرب وتكتّلهم ضد هذة المواقف الجشعة؟ لكن لا وألف لا، فكيف لأمّة مشغولة بالتفريق بين سنّة وشيعة ونصارى الاتّحاد على ما هو خطر لوجودها؟ سرطان الطائفيّة التهمها من الدّاخل وأصبح الخارج مذرياً، مقرفاً، مثيراً للشفقة. يا أمّة العرب النائمة، استفيقي واخلعي عن وجهكِ حجاب الطائفيّة العمياء وقفِي وقفة عزّةٍ وشرف للمطالبة بحقوقكِ المهدورة. يا شعوب العرب كافّة، مسلمين ومسيحيين، ألم تسأموا كونَكم مجرّد دمىً في أيديهم، تتقاتلون وتتنافسون على قضايا وهميّة، خياليّة، وتتناسون قضيّتنا الأهم فلسطين؟ وأخيراً، يا شعب فلسطين الأبيّ، أنتم الذين سقيتم بدمائكم الطّاهرة زهرة بلادكم التي ستتفتّح، منتصرة، في ربيع الحرية، لا تنتظروا مساعدة أحد أو دعم أحد، فالأقرباء باعوكم قبل غيرهم ورياح العروبة التي كانت تهبّ في المنطقة استكانت فاسحةً المجال لسلسلة حروبٍ طائفيّة أصبحتم فيها الحلقة الأضعف والهم الأخير عند قادة المنطقة. لم يعد لديكم سوى عون الله ومقاومتكم فالتفّوا حولها أشد الالتفاف وضعوا جانباً خلافاتكم واجمعوا قواكم للمواجهة، فطبول الحرب تُقرع ببركة مجنون وبعمالة خائن.

(شربل شلهوب)