كما تشرذم العراق سوف تتشرذم إيران، وكما لم يسمح للشعب العراقي باختيار حكامه بحرية لن يسمح للشعب الإيراني باختيار حكامه بحرية أيضا.
 

ينشغل الإعلام العربي والعالمي ومعاهد البحوث والدراسات الدولية، وما أكثرها، بتغطية أنباء الاحتجاجات ضد سياسات النظام الإيراني الداخلية والخارجية، والتنبؤ بقدرتها على إسقاط النظام أم لا، وما إذا كان نظام خامنئي سيستطيع وقفها ولجم أفواه ملايينها البشرية الغاضبة.

ويبذل المحللون وخبراء السياسة والاقتصاد جهودا كبيرة في إحصاء الخسائر التي ألحقتها العقوبات الأميركية بالاقتصاد الإيراني، وحجم التراجع في قيمة العملة الإيرانية إزاء الدولار الأميركي، والانعكاسات المتوقعة على حياة الملايين من الإيرانيين، وقدرتها على تحريك الشارع ضد النظام، وطول المدة التي سوف يستغرقها مسلسل الأزمات والاحتجاجات لإنهاك النظام، ثم إسقاطه في النهاية. ويربطون كل تلك التوقعات بخسارة العملة الإيرانية نصف قيمتها منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن من مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة وعد بأن تكون تاريخية لا مثيل لها.

والأهم من كل ذلك أن دوائر السياسة والاقتصاد العالمية دأبت من مايو الماضي على احتساب حجم الأموال التي أنفقها النظام الإيراني على دعم نظام الأسد، ومقاتلة المنظمات والميليشيات المطالبة بسقوطه، وعلى تمويل الحوثيين وحزب الله والكثير من الأحزاب والميليشيات الأخرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين، والتي هي بكل المقاييس، أموال خسرها المواطن الإيراني مقابل أوهام روّج لها المرشد الأعلى تعد الشعب الإيراني بتعويضه، قريبا، عن هذه الخسائر بانتصاراته الخارجية التي ستفتح له خزائن البلدان التي يباهي قادة النظام باحتلالها، وبالنصر على الإمبريالية والصهيونية وإعادة أمجاد الأمة الفارسية.

ويعتقد إيرانيون معارضون للنظام بأن الأمل الوحيد في إنقاذ الشعب الإيراني من عبوديته وبؤسه وجوعه، وتوظيف ثرواته لتحقيق أمنه ورخائه، هو في رحيل النظام الحالي وإقامة نظام جديد يلتزم بالضوابط الإنسانية والقوانين الدولية، ويعيد علاقاته مع دول الجوار ودول العالم الأخرى كافة إلى حالة الانسجام والتفاهم والتعاون من جديد.

ولكن الذي تقوله هذه المقالة هو أن جرائم النظام الإيراني، من أول هبوط الخميني على أرض مطار طهران عام 1979 وحتى اليوم، أهون بكثيرٍ مما سوف يترتب عليها من نتائج سيبدأ مسلسلُها الطويل بعد سقوط النظام.

فحروبه التي كلفت الشعب الإيراني وشعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وفلسطين مئات الألوف من القتلى والمفقودين، والقناطيرَ المقنطرة من الأموال، قد تصبح من الماضي، وقد ينساها الذين مسَّتهم شرورُها، بعد عام أو عشرة أو عشرين، كما نسي الشعب الألماني جرائم هتلر، والشعب الإيطالي كوارث موسيليني، والصيني شطحات ماو تسي تونغ، والروسي مساخر ستالين، والكوبي سجون كاسترو، والأوغندي همجية عيدي أمين، والعراقي حروب صدام حسين، والسوري مجازر حافظ الأسد. ولكن المعاناة المنتظرة التي سيجد الشعب الإيراني نفسه غريقا فيها بعد سقوط النظام ستكون أشد مرارة من كل ما مر عليه من معاناة.

ومن لا يصدق ذلك ينبغي عليه أن يتأمل حال المواطن العراقي اليوم، وأن يدقق في أسباب المصائب التي غرق فيها، من يوم سقوط النظام وحتى اليوم، ليكتشف أن تكاتف دول الظلم العالمي على معاقبة الشعب العراقي لم يكن من أجل إسقاط نظام صدام حسين، بل من أجل هدم الدولة العراقية ومحو قوتها، وجعلها معوقة لا فعل لها ولا قرار. مع العلم بأن هذه القوى ذاتَها هي التي جاءت بشلل الحرامية والمزورين العراقيين لأداء المهمة، وهذا ما يتم تحضيره اليوم لإيران.

فكما تشرذم العراق سوف تتشرذم إيران، وكما لم يُسمح للشعب العراقي باختيار حكامه بحرية لن يُسمح للشعب الإيراني باختيار حكامه بحرية أيضا، وخصوصا أولي الذمة والضمير. ولن تنتهي آثار العقوبات الأميركية السابقة واللاحقة وانعكاساتها على حياة المواطن الإيراني فور سقوط النظام، بل سيظل يدفع أثمانَها أحفادُ أحفاده القادمون. ولن يَمدَّ له يدا لإعانته على بلواه أحد من العراقيين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين، بل سوف يتشفى به كثيرون، ويتفرج على حاله كثيرون، كما يتشفون اليوم بالعراق وكما يتفرجون.

يقول يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، إن “إيران اليوم هي القوة الأولى في المنطقة، وإن قدرتنا وصلت سواحل البحر المتوسط، وباتت أميركا والكيان الصهيوني أضعف من السابق”، و”اليوم قد تحول حزبُ الله مع 80 ألف صاروخ بحوزته إلى تهديدٍ دائم للصهاينة”. وهكذا كان يقول صدام حسين وظل يقوله حتى بعد أن جرّت الدبابة الأميركية تمثاله في ساحة الفردوس. ألم أقل لكم إن الحكام الحمقى يعاقبون شعوبهم عشراتٍ عديدةً من السنين، بعد سقوطهم، ورحيلهم إلى جهنم وبئس المصير؟