"أصبحت خارج الخدمة الفعلية، سأنسحب من السياسة، وسأنسحب تدريجيا من تويتر أيضا"... قالها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من بيت الوسط، بعيد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، قبيل إعادة انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وإن كان اعتزال بيك المختارة للنيابة وتوريثها لنجله تيمور جاء بملء إرادته، لا يبدو أن موعد الانسحاب الذي تحدث عنه قد حان، لا سيما أن الاشتراكي يخوض حرباً حكومية شرسة في وجه الصهر المدلل لدى العهد النائب جبران باسيل.

وفي ظل الحملة والحملة المضادة بين جنبلاط والفريق العوني على خلفية اتهام الأول العهد بالفشل، استغرب معنيون غياب جنبلاط الابن عن الساحة التويترية المتوترة، ولم يطل حتى بأي موقف دفاعي. يقول أحد المتابعين "قلنا من قبل لن يكون تسليم جنبلاط العباءة لابنه إلا تسليماً فولكلورياً، ولا شيء في الأفق ينذر باستلام البيك الصغير دفة الأمور، فما زال عود الأخير طري، ولا زالت الطائفة الدرزية تحتاج لجنبلاط الأب كما تحتاج السفينة لقبطانٍ خبير بمد وجذر السياسة اللبنانية التي لها أن تُغرِق في فلكها العبثيّ كلّ من لم يبلغ الحنكة السياسية بعد".

ويقول اشتراكي عتيق "إرثٌ ثقيل يتركه جنبلاط الأب للابن، وإذا لم يشرب الأخير من بئر الأول، ولا يبدو أنه فعل حتى الآن، سيأتي يوم ويرى نفسه حمَلاً بين ذئاب السياسة". ويتخوّف الاشتراكي العتيق على مصير الطائفة بعد جنبلاط، لأن عباءة المختارة المثقلة بتركةٍ سياسية ثقيلة ستكون فضفاضة على تيمور، "من اعتاد على تمرّس الأب وحنكته على مدى عهدٍ من الأداء السياسي المتفرّد لن يتقبل أداء سياسياً عادياً من الابن".

يؤكد نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دريد ياغي لـ"ليبانون ديبايت" أن جنبلاط لا يمكنه اعتزال السياسة نهائيا، فهو شخصية سياسية مميزة في الواقع، وفيه صفات مختلفة عن عدد كبير من الساسة، ولديه مسؤولية طائفة وحزب، "ولا شك أنها مرحلة انتقالية، تيمور بدأ نشاطه، ووليد جنبلاط يرعى المسار السياسي للحزب ولا يزال رئيسه ولا يزال يرعى الأمر السياسي بشكل عام".

وأن يبدأ تيمور حياته السياسية كنائب وكرئيس كتلة نيابية، هذا لا يعني أن وليد جنبلاط يختفي عن الساحة، فلا بد أن ينصح وقت الحاجة ويصوّب كل ما يراه غير صحيح، فمن المبكر التنحي عن السياسة لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة، من الدولي إلى الإقليمي إلى المحلي. وهي الأوضاع التي لا يستطيع حتى المواطن اللبناني أن يرميها خلف ظهره، فما بالك بسياسي فذ كوليد جنبلاط، ابن الشهيد كمال جنبلاط ورئيس حزب سياسي عريق في لبنان، وفقاً لياغي.

ويمضي ياغي قدماً في هذا الإطار، ويرى أن جنبلاط مُلزم ولديه مسؤولية أن يكون له موقف سياسي بهذه الشؤون المختلفة الداخلية والخارجية. لا سيما أن التحديات الكبيرة جاءت دفعة واحدة على الوضع السياسي والإقليمي ما دعا جنبلاط إلى استحضار جميع آرائه.

ورداً على سؤال "لماذا لا يمشي تيمور على خطى والده ويعمد إلى التعبير عن آرائه في هذه القضايا؟" يقول ياغي "تيمور يرأس الآن اللقاء الديمقراطي وهو نائب حديث العهد، وحتما سيكون له مواقف وقرارات وأدوار أساسية في المستقبل، وهو ذو خامة طيبة، كلنا تعلّم واكتسب الخبرة مع الأيام".

لم يحن الوقت إذا لتسليم الابن كل ما لدى الأب من مهام سياسية، ونحن بدورنا لا نتمنى لهذا التوقيت أن يدخل حيز التنفيذ أيضاً. وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع جنبلاط في السياسة لا نستطيع أن ننكر بأنه واحدٌ من أمهر الزعماء، جعل من السياسة لعبةً لغوية ممتعة وإن كانت لا تخلو في بعض الأوقات من رسائل ملغومة.

في الوقت عينه، لا يمكن غض الطرف عن أن الظروف والتوقيت اللذين أدخلا جنبلاط إلى عالم السياسة وصقلا شخصيته يختلفان تماماً عن تلك التي عاشها البيك الصغير، ووفقاً لأحد المطلعين، "الخمر المعتّق الأصيل يحتاج إلى الوقت".