لم يعد خافياً على أحد التأثير النفسي ومضاعفات العنف على نمو الولد وصحته النفسية. دراسات كثيرة وسياسات اجتماعية ووطنية كشفت أكثر من مرة أهمية تعزيز التربية السلمية وتطوير المناهج التربوية لتغيير الثقافة العنفية المتربصة في مجتمعاتنا. ما يجري داخل البيوت والمدارس تفضح النمطية التربوية التي تجعلنا أسرى "منطق عنفي"، ما دفع بالجمعيات المناهضة للعنف عند الأطفال للتحرك ورفع الصوت في وجه الانتهاكات المتكررة. أين وصلنا اليوم في أساليب التربية الحديثة، وهل حقاً اجتزنا شوطاً في تحقيق بعض الأهداف؟

لا يُخفي مسؤول برامج التربية في جمعية" انقاذ الطفل" ميلاد أبو جودة اننا "شهدنا خلال الأربع السنوات الماضية وعياً اكبر حول العنف المدرسي والمنزلي، لقد أصبح هناك قناعة عند كثيرين ان أحد الأسباب الرئيسية لعدم رغبة الولد في الذهاب الى المدرسة وحالة التردد وعدم تطوره يعود الى التربية العنفية في المدرسة، وهي ليست بالضرورة الضرب او الأذى الجسدي ولكن تضمن أيضاً امساك الطفل بقوة او "نقعه".

 

الآثار النفسية لللعنف

من المهم أن نعرف ان المرحلة الاولى عند الولد في غاية الأهمية، وبناء عليه يرى أبو جودة ان "الولد في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة (اي من عمر 6 سنوات حتى 14 سنة) يرى في المدرسة المحيط الثاني لاندماجه في المجتمع وبذلك تكون المدرسة عاملاً مهماً تؤثر في نموه الإجتماعي والنفسي. يكون لدى الولد توقعات من المدرسة، بالنسبة له هي بمثابة الدعم العاطفي تحميه وتتقبله لكنه يصطدم احيانا بالواقع عندما يجد ان التربية المدرسية بكادرها التعليمي لا يتفهم نمطه واسلوبه، هو هناك ليتعلم المهارات ويكتسبها ولكنه حين يواجه العنف الشكلي من احد الاساتذة يرفض التعلّم او يجب صعوبة في اكتساب هذه المهارات وتطويرها".

تُخلّف هذه التربية العنفية آثاراً نفسية مختلفة على الولد الذي يمكن أن نختصرها وفق أبو جودة بالآتي:

* عدم تطوير المهارات التعلمية نتيجة عدم اعتماد أساليب التعليم المتطورة.

* تعتبر المدرسة بمثابة مجتمع مصغر يتعلم به الولد كيفية العيش والاندماج في المجتمع. وفي حال تعرضه لأي عنف مدرسي سيؤثر ذلك في اندماجه في المستقبل.

* يعجز الولد الذي شهد عنفاً او تعرض للعنف على معرفة اذا كان العنف سلبياً، فهو في هذه المرحلة يمتص كل التصرفات والكلمات ويختزنها في ذاكرته لكنها تؤثر في نموه المستقبلي.

* تزعزع التربية العنفية صورته الذاتية حيث يكوّن صورة سلبية عن نفسه، تنعكس بممارسة العنف على اصدقائه او الانطواء على نفسه وعدم التعبير.

* الجو العنفي في المدرسة يُشجع ظاهرة التنمر في المدارس، وهذه الظاهرة تُسبب أذى للولد أكثر من العنف.

* قلة التركيز وعدم بناء علاقات سليمة مع رفاقه.

 

علم النفس الإنمائي

إزاء هذه التأثيرات النفسية يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن العمل للحدّ من هذه الظاهرة في المجتمع؟ يشدد مسؤول برامج التربية في جمعية "انقاذ الاطفال" على اقرار قانون واضح يمنع العنف بكل أشكاله في المدرسة، اعتماد وسائل تربوية حديثة عند الطاقم التربوي وتفهم الأساتذة لعلم النفس الإنمائي عند الولد وتفهم قدراته وحاجاته العاطفية وفق عمره. كذلك يجب تفعيل دور الأهل في المدرسة وحق المساءلة وتعزيز عمل لجان الأهل لمتابعة التعامل مع الأولاد".

نشهد تمييزاً في مختلف الأصعدة، وهذا ما يفسر حاجتنا الى حماية أولادنا، وهذا ما أشار اليه أبو جودة في حديثه، بنظره "نحن بحاجة الى اعتماد نظام حماية الأطفال داخل المدارس وتفعيله لضمان عدم تعرضهم لأي شكل من أشكال العنف ومتابعتهم في حال تعرض له. لذلك، نحن بحاجة بداية الى تغيير ثقافي لأن ثقافتنا عنفية في لبنان، حتى وسائل التواصل والبرامج مبنية على العنف. يكفي أن ننظر الى السنوات الخمس الماضية حتى نعرف الحالات العنفية التي أدرجت ضمن خانة القضاء والقدر. نحن نعتمد على ثقافة عقابية، مبنية على العقاب الذي يُولد العنف".

من المهم بالنسبة الى أبو جودة ان "يعرف الولد انه ضحية للعنف وعليه ان يعرف حقوقه كما على الاهل ان يطالبوا بحقوق اولادهم والمساءلة. فبالنهاية الاستاذ المتملك بمادته ليس بحاجة الى وسائل تعلمية".